يُصادف الثاني والعشرين من أغسطس من هذا العام ذكرى مرور ثلاثة وعشرين عامًا على إنشاء المجلس الأعلى للمرأة وتتزامن الذكرى السنوية هذا العام مع احتفالات مملكة البحرين باليوبيل الفضي لتولي حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، مقاليد الحكم، والذي انطلق في عهد جلالته مشروع المجلس الأعلى للمرأة برئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة عاهل البلاد المعظم حفظها الله؛ كجهة استشارية تابعة لجلالته، ليضع بدوره أسسًا ثابتةً ويكون مرجعًا رسميًا في شؤون المرأة على المستوى الوطني.

ونتيجة لنهج التعاون والشراكة بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والمجلس الأعلى للمرأة، وهو النهج الذي حظي على الدوام بدعم الحكومة الموقرة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، استطاعت المرأة البحرينية بعد فترة من عمل المجلس أن تتجاوز مرحلة التمكين، في بعض مجالات الخطة الوطنية لتنفيذ استراتيجية نهوض المرأة البحرينية (2007 – 2012).

ويحتفل المجلس الأعلى للمرأة بالذكرى السنوية على تأسيسه للعام 2024 بمنجزات وطنية ودولية لتتوّج مسيرته الممتدة لثلاثة وعشرين عامًا، والتي شملت برامج ومبادرات وفعاليات تخدم جميع خطط المجلس واختصاصاته؛ ولم تكتفي هذه البرامج بإحداث الأثر على صعيد تقدم وضع المرأة على المستوى الوطني فحسب، بل أمتد ذلك على الصعيد الخارجي من خلال تحقيق العديد من الإنجازات التي رفعت اسم مملكة البحرين في المحافل الدولية.

ويمثّل اليوبيل الفضي لتولي جلالة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، مقاليد الحكم، فرصةً للتأكيد على ما حققته المملكة من إنجازات نوعية في مختلف القطاعات؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقضائية والإعلامية، وما حققته من نجاحات في مواصلة إرساء مبادئ حقوق الإنسان وتطوير التشريعات والقوانين وتحقيق العدالة للجميع، فضلًا عن التقدم الكبير في شؤون المرأة البحرينية في إنجازٍ حضاري كبير يعكس الدور الاستراتيجي الذي يقوم به المجلس الأعلى للمرأة والكفاءة العالية والقدرات والخبرات الكبيرة للمرأة البحرينية في شتى المجالات، كما يُعد فرصةً لاستذكار المراحل الأولى لانطلاق المشروع التنموي الشامل بقيادة جلالة الملك المعظم، وما رافقه من تحديث شامل وانفتاح على العالم عبر تجربة بحرينية أصيلة ومتطورة عززت دعائم الدولة الحديثة، إذ يشارك المواطن والمواطنة بكل حرية ومساواة في كافة ميادين العمل الوطني وفي عمليات صنع القرار لبناء وطنهم.

فكرة إنشاء مجلس أعلى للمرأة
على مدى حوالي عام شاركت شخصيات نسائية في التخطيط لتأطير العمل النسائي الرسمي، وشهد قصر الروضة سلسلة من اللقاءات لتلك الشخصيات واتسمت بالموضوعية والشفافية لإيجاد الشكل المناسب لهذه المؤسسة النسائية الوطنية. وقد مثلت هذه اللقاءات الأعمال التمهيدية التي بلورة رؤية جلالة الملك المعظم في إنشاء المجلس الأعلى للمرأة، والانتقال إلى مرحلة العمل المؤسسي والمشاركة التنموية الفاعلة للمرأة.

وفي ضوء ما طرح من آراء من الفعاليات النسائية من أصحاب الخبرة والفكر، شكلت صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة جلالة الملك المعظم رئيسة المجلس الأعلى للمرأة حفظها الله لجنة مصغرة لدراسة ما قُدم من أفكار وإسهامات في الاجتماعات التمهيدية، وللنظر في التجارب العربية والعالمية المماثلة، لتنتهي اللجنة إلى وضع التصور النهائي للمجلس الأعلى للمرأة.

إنشاء المجلس الأعلى للمرأة
وفي عام 2001، أصدر جلالة الملك المعظم أمراً بإنشاء المجلس الأعلى للمرأة في الثاني والعشرين من أغسطس 2001، برقم 44 لسنة 2001، وتعديلاته، ولإكساب هذه المؤسسة قوة وفاعلية، فقد تم اتباعه بجلالة الملك المعظم مباشرة، ووضع صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة حفظها الله قرينة جلالته رئيسة له، وجعل المجلس مرجعاً لدى جميع الجهات الرسمية فيما يتعلق بشؤون المرأة، ويختص بإبداء الرأي والبت في الأمور المرتبطة بمركز المرأة بصفة مباشرة أو غير مباشرة، وأن على كافة الجهات الرسمية أخذ رأيه، قبل اتخاذ أي إجراء أو قرار بذلك.

مظلة وطنية رسمية
وجاء إنشاء المجلس الأعلى للمرأة، بعد 6 شهور من الاستفتاء الشعبي العام يومي 14، 15 فبراير 2001 على مشروع الميثاق الوطني ، والذي صادق عليه جلالة الملك المعظم ، يوم 16 فبراير 2001، ليكون المجلس الأعلى للمرأة من أهم مفردات هذا المشروع الوطني. وكانت المرأة شريكا قويا في وضع مشروع الميثاق، وشاركت كذلك في لجنة تفعيل الميثاق التي تشكلت بموجب المرسوم رقم 6 لسنة 2001 برئاسة ولي العهد وضمت 16 عضوا منهم سيدتان.

أبرز دلالات إنشاء المجلس
ولعل من أبرز دلالات إنشاء المجلس الأعلى للمرأة كمظلة وطنية رسمية توفر الأطر الدستورية والمدنية لرعاية مصالح وحقوق المرأة، وتنظيم ودعم أنشطتها في مختلف المجالات، الدلالة الأولى في تبعيته المباشرة لحضرة صاحب الجلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه، وتقدير جلالته لمكون المرأة واهتمامه بشكل شخصي لمسار أعماله وضمان تضافر جهود الدولة كافة لتعزيز مبدأ تكافؤ الفرص والعمل على تهيئة الظروف المناسبة للمرأة البحرينية للتوفيق بين عملها ودورها في الحياة العامة من ناحية، ووواجباتها الأسرية من ناحية أخرى.

أما الدلالة الثانية فتتمثل بالتكليف الملكي السامي لصاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة عاهل البلاد المعظم حفظها الله لرئاسة المجلس باعتبارها "القدوة" للمرأة البحرينية وتقديراً لدورها الرائد في مسيرة تقدم المرأة وقيادة العمل النسائي وتمثيل المرأة البحرينية في مختلف المحافل.

وتمكنّت عبر قيادتها الحكيمة وخطواتها المدروسة، أن تترجم الرؤية الملكية في الإشراف على متابعة تقدم المرأة البحرينية وضمان تمتعها بكافة حقوقها من خلال المجلس الأعلى للمرأة الذي عمل طوال مسيرة عمله على نهوض وتقدم المرأة البحرينية ليكون وكما وصفه جلالة الملك المعظم "ثمرة مباركة من ثمار المشروع الإصلاحي الذي بوأ المرأة البحرينية مركز المواطنة الكاملة، فهي اليوم، بفضل تلك الجهود، مكوناً أصيلاً في مسيرة التحديث والتطوير، وليزداد فهمها لحقوقها، فكراً وممارسة، وفي تولي مسئولياتها بجدارة وثقة من أجل تقدم البحرين ورفعتها".

أما الدلالة الثالثة فتتمثل في اختصاص المجلس النوعي والفريد وتميزه عن باقي مؤسسات الدولة في رفع التقارير المباشرة لجلالة الملك المعظم عن سير تقدم المرأة البحرينية وهو ما يتيح للمجلس أن يكون متابعاً مباشراً لقيام الوزارات والمؤسسات الرسمية من الجهات التنفيذية باختصاصاتها فيما يتعلق بتنفيذ مشروعات ومبادرات المجلس.

أما فيما يتعلق بدلالات اختصاصاته المنصوص عليها في الأمر السامي بإنشاءه فقد جعل من "المجلس الأعلى للمرأة "بشخصيته الاعتبارية شريكاً أساسياً في رسم السياسة العامة للدولة في مجال تنمية وتطوير شؤون المرأة في مؤسسات المجتمع الدستورية والمدنية، ووضع مشروع خطة وطنية للنهوض بالمرأة والتي اعتمدت من قبل جلالة الملك المعظم في عام 2005 في سابقة على مستوى العالم.

وأناط بالمجلس الأعلى للمرأة دورا تمكينيا، حيث جعل من اختصاصه تمكين المرأة من أداء دورها في الحياة العامة وإدماج جهودها في برامج التنمية وعدم التمييز ضدها، ووضعها كشريك كامل في المشروع التنموي البحريني بالتعاون مع مؤسسات الدولة والمجتمع، كذلك جعل المجلس الأعلى للمرأة قائما على تفعيل المبادئ الواردة في ميثاق العمل الوطني فيما يتعلق بالمرأة ووضع الآليات المناسبة لذلك، وأناط به متابعة وتقييم تنفيذ السياسة العامة في مجال المرأة والتوصية بما لديه من مقترحات وملاحظات للجهات المختصة في هذا الشأن.

واختص بتقديم الاقتراحات بتعديل التشريعات القائمة المتعلقة بالمرأة، وإبداء الرأي في مشروعات القوانين والقرارات المتعلقة بها قبل عرضها على السلطة التشريعية وهو المرجع الرسمي لمؤسسات الدولة في كل ما يتعلق بمركز المرأة البحرينية.

الشراكة وتكافؤ الفرص
ولقد خطت مملكة البحرين خطوات جادة على طريق دعم وتمكين المرأة وإدماج احتياجاتها في برنامج عمل الحكومة إيمانًا من القيادة بأهمية تواجدها لتأسيس وبناء مجتمع يقوم على أساس التكافؤ، والشراكة الفاعلة بين الرجل والمرأة، وهو ما نص عليه صراحةً دستور مملكة البحرين وبنود ميثاق العمل الوطني، والذي كان له عظيم الأثر في تمكين المرأة البحرينية في كافة الميادين والمجالات ما جعلها عنصرًا مؤثرًا من عناصر التنمية.

وقد اعتمد المجلس الأعلى للمرأة النموذج الوطني للتوازن بين الجنسين والذي يعد مرجع ودليل عمل وطني لواضعي السياسات والاستراتيجيات العامة والمشرعين ومنفذي البرامج والخطط حيث جرى وضع الإطار العام لعمل تلك الأطراف بما يضمن إدماج حقيقي ومستدام للمرأة البحرينية في العملية التنموية، ويتكون هذا النموذج من أربعة محاور رئيسية تتمثل في السياسات والموازانات وإدارة المعرفة وقياس الأثر.

وإذ تعد الموازنة العامة أحد أهم آليات تنفيذ برنامج عمل الحكومة، فقد حرص المجلس على أن تأتي هذه الموازنات مستجيبة لاحتياجات المرأة، فكان تعاونه مع مجلس التنمية الاقتصادية ووزارة المالية والاقتصاد الوطني، للتأكيد على التزام الجهات بملء جداول تكافؤ الفرص وتطوير جداول الميزانية لتكفل رصد ومتابعة مدى إدماج احتياجات المرأة وتفعيل مبدأ تكافؤ الفرص عند إعداد وتنفيذ الميزانية. وفي مجال قياس الأثر؛ قامت اللجنة الوطنية لمتابعة تنفيذ النموذج الوطني لإدماج احتياجات المرأة في برنامج عمل الحكومة بالتدقيق والرقابة على الأدوار المناطة لكل جهة.

الحضور الدولي
وقد استمر الدعم الملكي في مساندة الحضور الإقليمي والدولي للمرأة البحرينية يتواصل حصاده من خلال حضورها كعنصر فاعل في مؤسسات منظمة الأمم المتحدة، فتولت منصب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2006، والذي يعد علامة بارزة على المكانة التي غدت تحتلها المرأة البحرينية، كما تمكنت مملكة البحرين من خلال المجلس الأعلى للمرأة، من بناء شراكات رفيعة المستوى على الصعيد الإقليمي والعالمي ومن بين ذلك إطلاق جائزة الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة العالمية لتمكين المرأة، بالشراكة مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة وذلك بعد نجاح تجربة الجائزة على المستوى الوطني اعتبارها إحدى الأدوات الأساسية التي يعمل من خلالها المجلس الأعلى للمرأة على ترجمة الرؤية الثاقبة لجلالة الملك المعظم بخصوص المرأة إلى برامج وممارسات لتصبح في صميم عمل مؤسسات القطاع العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني وفئة الأفراد في مملكة البحرين، وتعزيز توجهها نحو تبني منهجيات إدماج احتياجات المرأة في التنمية والتوازن بين الجنسين.

ويواصل المجلس الأعلى للمرأة مساعيه لتقدم المرأة البحرينية وإدماجها في ميادين العمل الوطني كافة، وفي عملية التنمية عبر الخطط والاستراتيجيات والمبادرات الوطنية لتحقيق المزيد من التقدم لمكانة المرأة البحرينية، لتبقى مسيرته المباركة شاهدةً على مسيرة نجاح المرأة البحرينية وتجاوزها لمراحل التمكين التقليدية ونيل الحقوق السياسية والاقتصادية وغيرها؛ لتصبح شريكًا رئيسًا في التنمية بمختلف أبعادها، وبما ينعكس إيجابًا على مؤشرات التنمية الوطنية الشاملة، والمؤشرات العالمية لحقوق المرأة ومشاركتها وانخراطها في الأعمال المختلفة.