مع حركة الإصلاحات الاقتصادية التي تخطوها كل من البحرين والسعودية للتعاطي مع مرحلة ما بعد النفط، وفي ظل مساعيهما لتحقيق أهداف رؤيتهما المستقبلية 2030، التي يشكل التحول الاقتصادي قوامها الرئيسي، فإن التوقعات تزداد برفع مستوى التعاون الاقتصادي بين البلدين، وزيادة قيمة التبادلات التجارية بينهما، بعد أن بلغت حسب تصريح السفير السعودي لدى البحرين نحو 30 مليار ريال.

وتدفع العديد من العوامل إلى التفكير جدياً في تمتين أطر التعاون الاقتصادي المشترك، حسب تقرير بثته وكالة أنباء البحرين (بنا) الخميس، فبجانب التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية الراهنة التي تشهدها دول المنطقة، وخاصة المنتجة للنفط منها، وفي مقدمتها البحرين والسعودية، فإن هناك حاجة إلى تحقيق الاستفادة القصوى من الميزات التنافسية التي تقدمها المملكتان، ويمكن أن تعود بالخير على مجموع شعبي البلدين.

ومن بين أهم الميزات انفتاح السوق البحرينية والحوافز التشجيعية التي تقدمها لرؤوس الأموال الإقليمية والعالمية، فضلاً عن اتساع وكبر حجم السوق السعودية وقدرتها على استيعاب وتلبية متطلبات واحتياجات التنمية في البحرين، حيث يبلغ نصيبها من المجموع الإجمالي للناتج المحلي للاقتصاد الخليجي ككل نحو 46.3 % بقيمة تقدر بـ 646 مليار دولار، في حين أن نصيب البحرين من هذه السوق يقدر بـ 2.2% بقيمة 31.1 مليار دولار.



مشروعات وتسهيلات

وينظر الخبراء إلى عدة مشروعات طموحة متوقعين أن تكون قاطرة توسيع أطر العلاقات الاقتصادية بين البحرين والسعودية، وهي مشروعات مستقبلية مقترحة ستكون لها مساهماتها الجبارة في تحقيق تطلعات وآمال الشعبين، خاصة إذا بدأ الشروع في بناء جسر الملك حمد الجديد الذي أُعلن عن التخطيط له في سبتمبر 2014 ليضاف إلى جسر الملك فهد، وأُعيد فتح الخط الملاحي بين مدينة الخبر والبحرين، مثلما يطالب بذلك بعض رجال الأعمال، والمتوقع أن يخفض ذلك تكلفة النقل 40% بين البلدين.

وتبذل المملكتان جهدا في تعميق الترابط الاقتصادي بينهما سواء على المستوى الرسمي أو الأهلي الذي تقوده الغرف التجارية المشتركة، وهناك مؤشرات وفرص يمكن أن تعود بالخير على الشعبين الشقيقين.

ولعل من البراهين، التسهيلات البحرينية المقدمة للمستثمرين السعوديين، وأبرزها ما أُعلن مؤخرا عن اتفاق تطبيق نقطة عبور واحدة على جسر الملك فهد لتسهيل حركة الزوار والبضائع بين البلدين، إضافة للمكتب التمثيلي لمجلس التنمية الاقتصادية الذي يستهدف اطلاع المستثمر السعودي على الفرص الاستثمارية المتاحة بالبحرين.

كما تم فتح مكتب وفريق مختص للمستثمر السعودي لدى وزارة الصناعة والتجارة والسياحة بالبحرين بغرض تقديم مزيد من التسهيلات الإجرائية للمستثمرين السعوديين، وأنجز من مايو إلى نهاية نوفمبر 2017 نحو 6 آلاف معاملة خاصة بالمستثمرين السعوديين بحسب تصريح وزير الصناعة والتجارة في ديسمبر الماضي، الأمر ذاته الذي تقدمه السعودية لرجال الأعمال البحرينيين، حيث تحظى رؤوس الأموال البحرينية بالامتيازات ذاتها التي تتمتع بها نظيراتها السعودية، عملاً بقوانين مجلس التعاون الخليجي.

وبجانب هذه التسهيلات المقدمة للمستثمرين في البلدين، يشار أيضا لعامل قوي آخر، وهو: زيادة نسبة الاستثمارات السعودية في القطاع العقاري بالمملكة، إذ تمثل حصتها أكثر من 25 % حسب مراقبين عقاريين أشاروا إلى أن هذا القطاع سيكون له مردوده الكبير خلال الفترة القادمة ليس فقط في نمو الاقتصاد الوطني، وإنما في زيادة وتيرة نمو العلاقات الاقتصادية بين المملكتين.

تركيز على العقارات

والمعروف أن القطاع العقاري في البحرين واحد من أهم القطاعات الاستثمارية الجاذبة للمستثمرين السعوديين، ويعد ثاني أكبر قطاع غير نفطي في المملكة بعد المصرفي، ويمثل حوالي 5% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة. وشاركت نحو 20 شركة سعودية متخصصة في أعمال الإنشاء ومواد البناء والتطوير العقاري في معرض الخليج للعقار الذي أقيم في المملكة أواخر ابريل 2018.

ويحظى القطاع بحيوية كبيرة داخل المملكة، إذ بلغ عدد السجلات التجارية العقارية النشطة حتى 2017 نحو 4152 سجلاً تجارياً برأس مال يعادل 4 مليارات و841 مليون دينار. ويتوقع أن تبلغ نفقات البحرين أكثر من 6 مليارات دولار على مشاريع البناء في 2018.

وتمددت الاستثمارات السعودية العاملة في المملكة في مختلف القطاعات التجارية، لا في القطاع العقاري وحده، حيث وصل عدد الشركات السعودية التي تملك استثمارات فعلية في البحرين إلى 400 شركة حسب إحصاءات وزارة التجارة السعودية.

نمو متسارع

وتنمو وتيرة التجارة المتبادلة بين البلدين بمعدلات متزايدة تتراوح بين 15 ـ 20 %، وتقدر صادرات البحرين للسعودية بنسبة 40 % من حجم صادراتها. كما نجحت البحرين في تحقيق فائض تجاري لصالحها مع السعودية، إذ صدرت لها في 2015 ما قيمته 4.2 مليارات دولار، بينما استوردت البحرين ما قيمته 774 مليون دولار فقط، بحسب إحصاءات صادرة عن إدارة الجمارك في المملكة.

وبلغ حجم التبادل التجاري للسلع غير النفطية بين المملكتين الشقيقتين في الربع الأول من 2017 نحو 782 مليون دولار، واستوردت البحرين سلعاً غير نفطية في هذه الفترة بقيمة 401.8 مليون دولار. فيما صدرت وأعادت تصدير بضائع بنحو 380.2 مليون دولار في الفترة نفسها، حسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية.

ارتفاع معدلات الزوار

ولا يمكن إغفال أحد أهم مؤشرات التقارب البحريني السعودي، وهو نمو معدلات الزوار والسياح السعوديين للبحرين، ويمثل ذلك فرصة إضافية واعدة لنمو العلاقات الاقتصادية المشتركة، وأحد أقوى روافع الروابط المشتركة ليس فقط بسبب جدواه التجارية، وإنما بسبب ما يمثله من دعم لوشائج الصلة التاريخية وأواصر القربى والمصاهرة التي تجمع الشعبين.

وبحسب تقارير عدة، فإن عدد زوار البحرين من السعودية يمثل نحو 8 ملايين زائر وسائح، وهي نسبة كبيرة ومهمة من مجموع عدد السياح الذين يزورون المملكة، خاصة إذا ما تم النظر لعدد الليالي السياحية التي يقضونها في المملكة، إذ تزيد عن اليومين في العادة.

وتبدو أهمية هذه الدلالة بالنظر لاعتبارين، الأول أن البحرين تصدرت المركز الأول في الجذب السياحي لحركة السعوديين عام 2016، بحسب تقرير لهيئة السياحة السعودية، وأنفق هؤلاء على رحلاتهم السياحية الخارجية ما يتجاوز 97 مليار ريال بمجموع 340.4 مليون ليلة، وهو ما يتوافق مع توجه البحرين لاستقبال هذا النوع من السياحة التي تشكل العائلة قوامها.

والثاني أن حصة السياحة من الناتج المحلي في البحرين العام 2017 تقدر بحوالي 7% بمجموع زوار يقدر بـ 11.4 مليون زائر وإجمالي عدد ليالي سياحية يصل إلى 12.3 مليون ليلة بعوائد تقدر بـ 1.6 مليار دينار في نفس العام. ويرتكز الغالب الأعم من هذه السياحة الوافدة على أغراض الترفيه وقضاء العطلات والتسوق وزيارة الأهل والأصدقاء، ويمثلها بشكل رئيس الزوار من الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية.