د. لمياء الكوهجي

في ظل الثورة الرقمية التي يشهدها العالم والتي تفرض تغيرات متسارعة لأنظمة التعليم فإن التعليم يمر بمرحلة تغيير دراماتيكية تتطلب بدورها تحولاً شاملاً في أنظمة التعليم، وتوفيراً للسبل اللازمة لإرساء ركائز التعليم الإلكتروني وخلق بيئة تعليمية قادرة على مواكبة التطور التقني المتسارع. من هنا جاء الاهتمام بتعزيز التمكين الرقمي في البيئة التعليمية من خلال بذل الجهود في توفير المحتوى الرقمي والكتب الرقمية.

ولعل أزمة تفشي فيروس كورونا التي أثّرت على التعليم في دول عدة بما فيها مملكة البحرين وباقي دول الخليج العربي أعاد إلى طاولة النقاش فكرة التعليم عن بُعد، والذي يستحيل بدون وجود كتب دراسية رقمية تفاعلية ذات خصائص ومميزات تمكن الطالب من الدراسة الذاتية، من دون وضع عبء إضافي على أولياء الأمور.



مثل هذا الكتاب ليس مستحيلاً، بل تم تطبيقه في عدة مدارس ودول، وتم بالفعل تطويره مرارًا بناء على التجربة، وقد بدأت دول الخليج العربي بالفعل بأخذ الخيارات المتقدمة التي توفرها تقنيات التعليم ضمن خطة لتطوير المناهج وطرق التدريس، مثل تعزيز المحتوى الإلكتروني والإثراءات التعليمية الإلكترونية، ومحاولات متباينة في إعداد وتوفير الكتب الدراسية الرقمية بالمعنى العلمي.

وإيماناً منه بأن الحاجة إلى كتب رقمية مصممة بناء على معايير علمية حديثة قادرة على توفير مزيد من مركزية الطالب في عملية التعلّم، قام المركز العربي للبحوث التربوية لدول الخليج العربي (ومقره الكويت) بالتعاون مع مجموعة من الباحثين في جامعة البحرين لدراسة واقع استخدام الكتب الرقمية في الدول الأعضاء بمكتب التربية العربي لدول الخليج.

ويأمل المركز أن تسهم الدراسة في تنمية خبرات مطوري المناهج ومؤلفي الكتب الدراسية والمعلمين في مجال التقنيات الرقمية اللازمة لتطوير الكتاب الدراسي والمصادر التعلمية، وفي تحسين الجودة النوعية لمستوى الكتاب الدراسي من خلال الاستفادة مما تقدمه التقنية الحديثة من مزايا لا تتوافر من خلال الكتاب التقليدي، بما في ذلك تقديم محتوى المادة الدراسية بأسلوب مشوق ومثير للتفكير يعتمد على توظيف مختلف الوسائط السمعية والبصرية والتفاعلية بما يتلاءم واحتياجات المتعلم وطبيعة المادة الدراسية.

ولقد اختار المركز التعاون مع جامعة البحرين لثقلها الأكاديمي والبحثي على مستوى الخليج العربي، وخاصة أن للجامعة تجارب سابقة ناجحة في التعاون البحثي مع المراكز البحثية والمؤسسات العامة والخاصة داخل البحرين وخارجها.

ويتشكل فريق البحث من ثلاثة أكاديميين، هم د. جفلة العماري -أستاذ مساعد في كلية تكنولوجيا المعلومات بجامعة البحرين، و د. عبدالغني الحطامي - أستاذ مساعد في كلية البحرين للمعلمين بالجامعة ذاتها، و د. لمياء الكوهجي- أستاذة سابقة في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها بالجامعة وحاليًا المدير التنفيذي لـ(الكوهجي للتدريب وإدارة التعليم).

وتوضح د. جفلة العماري- الباحث الرئيسي أن للدراسة ثلاثة أهداف رئيسية هي: أولاً استخلاص تعريف للكتاب الرقمي حسب ما سيتم استخدامه في برنامج معايير وتقويم الكتاب الدراسي الرقمي في الدول الأعضاء بمكتب التربية العربي لدول الخليج، وثانياً إعداد معايير لتقييم الكتاب الرقمي عن طريق مراجعة الطرق التربوية والتكنولوجية الحديثة المدروسة والمعتمدة لتقييم الكتاب الرقمي (سواء المحلية منها أو العالمية)، ليتم استخلاص معايير للكتاب الرقمي تشمل المعايير التقنية والفنية والمعايير التربوية، وثالثاً حصر وتقييم المواد التعليمية الرقمية (المحتوى الرقمي والكتاب الرقمي (التي تم اعتمادها في التعليم من قِبل الدول الأعضاء بمكتب التربية العربي لدول الخليج، ويشمل ذلك تحديد أنواع الكتب الرقمية المطروحة، وتصنيفها حسب المادة التربوية أو العلمية والمرحلة الدراسية، واستخلاص مدى مطابقتها للمعايير الرئيسية لإعداد وتطوير الكتب الرقمية، واستخلاص الأنظمة المعتمدة في تطوير تلك الكتب الرقمية.

وقد بدأ التواصل بين المركز والجامعة في نهايات العام الدراسي السابق (2018-2019)، ومنذ ذلك الحين قام فريق البحث بحصر عدد كبير من نتائج دراسات تجربة وتقييم التعليم بالكتب الرقمية، واستخلاص نقاط القوة وتحديد الانتقادات التي نالت من هذه التجارب.

ويعمل حاليا فريق البحث على تقييم المحتويات الإلكترونية التي تطرحها الجهات الحكومية في مدارس الدول الأعضاء، بناء على معايير تم استخلاصها من مقترحات بحوث سابقة حديثة في هذا المجال وبناء على أحدث التطورات في عالم الكتاب الرقمي.

وتبيّن د. لمياء الكوهجي أن فريق العمل قد توصّل حتى الآن على أمور مهمة مبنية على تجارب يمكن لمملكة البحرين ودول الخليج الاستفادة منها في الأزمة الحالية المرتبطة بوباء فيروس كورونا، الذي دفع الجهات الحكومية بالمطالبة بتقليص التجمعات بما فيها تعليق الدراسة في المدراس والجامعات والمعاهد التعليمية، ومحاولة تعويض الطلبة بالتعليم عن بُعد، وتمكن فريق البحث من استخلاص طرق فعالة مجربة لرفع كفاءة الكتاب الرقمي ليكون أقل تكلفة، وأكثر فعالية، وأنسب للطالب للاستخدام باستقلالية بدون حاجة إلى كثير من الدعم من ولي الأمر بل ببعض الدعم المقنن من المعلم أو مشرفي المادة أو المقرر التعليمي، مع توفير استخدام الكهرباء وتقليل الاعتماد الدائم على الإنترنت، كما تؤكد أن الكتاب الرقمي ليس مستحدثاً أو غير مجرب في عالم التعليم الواقعي، بل ويمكن لدول الخليج العربي أن تقوم بوضع سياسية علمية محكمة مبنية على التجارب السابقة لدول أخرى قامت بتجربة الكتاب الرقمي وتقييمه وتحسينه بناء على مخرجات التطبيق.

وسيقوم فريق البحث بعد هذه المرحلة بوضع منهجية لتصميم الكتب الرقمية يمكن للمؤسسات التربوية اتباعها للتحول الرقمي الصحيح مع مراعاة المعايير الأحدث والأكثر فعالية، وأخذ السلبيات بعين الاعتبار للعمل على تقليصها، وقام الباحثون أيضاً بمقارنة الأجهزة المستخدمة والبرامج التشغيلية المقترحة، ودراسة خيارات التصميم والتوزيع والخصائص التفاعلية اللازمة.

ويؤكد د. عبد الغني الحطامي بأن مثل هذا المشروع سيساهم في تنظيم التحوّل الرقمي في مدارس دول الخليج وتوجيهه علمياً وتكنولوجياً لرفع كفاءة الكتب الرقمية وتنظيم عملية التصميم والتفعيل، مما سينعكس بالإيجاب على تمكين الطالب وتحسين أدائه مع توفير جو من المتعة والتحدي الذي يتناسب مع التوجه التقني للأجيال الحالية ومتطلبات سوق العمل دون المساس بجودة المحتوى التعليمي والتربوي، ويضع بين يدي المؤسسات التعليمية خياراً صالحاً للاستخدام في الظروف العادية والطارئة على حد سواء، فالكتاب الرقمي المصمم اعتماداً على معايير مدروسة قابل للاستخدام في التعليم التقليدي وفي نظام الدراسة الذاتية وأيضاً في نظام الدراسة عن بُعد، كما سيمكن مؤسسات التعليم العالي هي الأخرى من الاستفادة من التجربة ذاتها وتطويرها لتناسب متطلبات التعليم العالي.