أيمن همام



ونحن نحتفل بمرور 43 عاماً على تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لابد من أن نتأمل ما آل إليه حال هذا الصرح العربي الشامخ، الذي يضم تحت مظلته ست دول تتشارك في الدين واللغة والثقافة، وتتشابه في مستويات التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية، وتكاد تنعدم الفوارق بينها، من حيث مستوى المعيشة والدخل.

المجلس حقق، خلال مسيرته الزاخرة بالأحداث التاريخية، إنجازات كبيرة جعلته يحظى باحترام وتقدير العالم، وثقة المواطن الخليجي والعربي بشكل عام، ما جعل القوى العظمى والكبرى تتسابق للدخول معه في اتفاقيات شراكة استراتيجية سياسية واقتصادية، سعياً لتحقيق المصلحة المشتركة لجميع الأطراف.

ولمعرفة قوة ومكانة مجلس التعاون، باعتباره منظمة إقليمية، وسياسية، واقتصادية، وعسكرية، وأمنية ذات ثقل عالمي لا يستهان به، علينا أن نضع الثقل الاقتصادي لدول المجلس مجتمعة في الميزان العالمي، عبر إجراء مقارنة سريعة مع كيان يتشابه معه من حيث الفكرة والغاية، ولنأخذ الاتحاد الأوروبي نموذجاً للمقارنة.

القوة الاقتصادية المهولة لدول المجلس الست مجتمعة تضع هذا الكيان العريق في المرتبة الثانية عشرة عالمياً، حيث قدر البنك الدولي الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج بنحو تريليوني دولار أمريكي في عام 2022، وبلغ إجمالى عدد سكان الخليج، بحسب بيانات المركز الإحصائي لدول المجلس خلال العام ذاته 55.9 مليون نسمة، ليبلغ بذلك معدل نصيب الفرد في الخليج من الناتج المحلي الإجمالي نحو 35.778 ألف دولار.
ويتوقع البنك الدولي أن ينمو إجمالي الناتج المحلي لدول الخليج إلى ما قيمته بأسعار اليوم 6 تريليونات دولار بحلول عام 2050، وأن يتجاوز 13 تريليون دولار بحلول العام ذاته، إذا عمدت دول المجلس إلى تنفيذ استراتيجية النمو الأخضر، التي من شأنها أن تسرع من وتيرة التنويع الاقتصادي.

وإذا نظرنا إلى الاتحاد الأوروبي، الذي يضم 27 دولة، والذي تأسس عام 1993 عندما دخلت معاهدة ماستريخت الموقعة عام 1991 حيز التنفيذ. يقدر الناتج المحلي الإجمالي بنحو 25.399 تريليون دولار، وفقاً لتقديرات صندوق النقد في عام 2022، ويبلغ إجمالى عدد سكان الدول الأعضاء 448 مليون نسمة، بحسب بيانات ”يوروستات“ لعام 2023، ليتراوح بذلك نصيب الفرد 56,928 دولار أمريكي.

الأوروبيون استطاعوا، بعد أقل من 6 سنوات فقط من تأسيس اتحادهم، إصدار اليورو كعملة موحدة تتبنى استخدامها 20 دولة أوروبية من الدول الأعضاء. واليوم أصبح اليورو ثاني أكبر عملة احتياطية وكذلك ثاني أكثر العملات تداولاً في العالم بعد الدولار الأمريكي، كما يعد من أعلى القيم المجمعة للأوراق النقدية والعملات المعدنية المتداولة في العالم.

وبغض النظر عن الاختلافات الكبيرة في الدين واللغة والثقافة، أدت التباينات الكبيرة في مستوى الدخل والمعيشة والتعليم والرعاية الصحية والاجتماعية بين الشرق والغرب الأوروبي، إلى تحمل كبار أوروبا، وعلى رأسهم ألمانيا كلفة إصدار اليورو، ورغم الأزمات الاقتصادية العنيفة التي عصف بدول أوروبية في أواخر العقد الأول من الألفية الجديدة، لم تسمح ألمانيا ولا فرنسا بانهيار اليورو، وتحملا معاً العبء الأكبر لاستمرار العملة الموحدة.

في المقابل لا توجد هذه الفوارق الشاسعة بين دول الخليج، ولن تضطر أي دولة خليجية إلى دفع فاتورة كبيرة من أجل إصدار العملة الخليجية الموحدة، بل على العكس الأمور ميسرة والأوضاع مهيئة لإنشاء سوق خليجية مشتركة وعملة موحدة، فالوحدة النقدية متحققة أصلاً على أرض الواقع، حيث نجد المتاجر الكبيرة والصغيرة في جميع دول مجلس التعاون الست تقبل المدفوعات بأي عملة خليجية، ولا ينتظر خروج العملة الخليجية إلى النور سوى قرارات سيادية شجاعة تعزز مكانة وثقل مجلس التعاون على المستوى الدولي.