15 عامًا مرت على رحيل "شاعر الأرض" محمود درويش، وإلى اليوم يذكره أحبابه ومريدوه في الوطن العربي وخارجه ليكون حقًا "الحاضر في الغياب".

في قرية البروة الواقعة في الجليل شرق ساحل عكا، وفى 13 مارس/ أذار 1941، ولد شاعرنا الكبير محمود درويش، ولمّا بلغ السادسة طُرد من قريته مع أسرته عام 1947.



بعد النكبة، لجأ الطفل محمود درويش مع أسرته إلى لبنان، ولم يمر سوى عام واحد حتى عادت الأسرة متسللة، وبعد اجتياز تعليمه الثانوي عمل "درويش" في مهنة الصحافة.

انتسب إلى الحزب الشيوعى الإسرائيلي، وأصبح رئيس تحرير صحيفة الحزب، واتهم بتدبير نشاط معاد لإسرائيل، فطرد واعتقل 5 مرات بين عامي 1961 و1969، وفرضت عليه الإقامة الجبرية.

سفر وترحال

شد الرحال إلى القاهرة عام 1972، وقال عن هذه التجربة: "دخول القاهرة كان من أهم الأحداث في حياتي الشخصية. فى القاهرة ترسخ قرار خروجي من فلسطين وعدم عودتي إليها، وفتنت بكوني في مدينة عربية".

وبعد عام واحد، انتقل إلى بيروت حتى عام 1982، وفيها تولى قيادة مركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية، وتولى رئاسة تحرير مجلة "الكرمل"، وعندما وقعت مجزرة صبرا وشاتيلا، تيقن أن بقاءه في لبنان مستحيل.

سافر "درويش" إلى دمشق ومنها إلى تونس، وعاش فى باريس قرابة 10 سنوات، وفي مدينة النور تفرغ للكتابة ووضع دواوينه: "ورد أقل" و"أحد عشر كوكبا" و"أرى ما أريد" و"لماذا تركت الحصان وحيدا؟".

عندما قرر العودة إلى المنطقة العربية، اختار الإقامة في الأردن لقربه من فلسطين، وبين العاصمة عمّان ورام الله كتب دواوين "جدارية" و"حالة حصار" و"لا تعتذر عما فعلت" و"في حضرة الغياب" و"أثر الفراشة".

في 28 يوليو/تموز 2008، توجه "درويش" إلى الولايات المتحدة الأمريكية في رحلة علاج، وتوفي في 9 أغسطس/آب 2008، ونقل جثمانه ليدفن في رام الله يوم 13 أغسطس/ آب، تاركًا الشعر العربي في محنة.

"شاعر عظيم"

في مستهل حديثه عن محمود درويش، يتذكر الشاعر المصري أحمد سويلم مقولة وليام شكسبير: "الشاعر العظيم يأتى من الألم العظيم"، ويقول: "ألم الشاعر هنا يتجسد فى الإحساس بالمعاناة الذاتية ومعاناة الآخرين من البشر ومعاناة الأوطان".

يضيف سويلم لـ"العين الإخبارية": من هنا يكون الشاعر العظيم شاعرا إنسانيا، يعيش حياة البشر، ويعيش البشر فى أشعاره. من هؤلاء الشعراء شكسبير ورامبو والمتنبي والمعري وأبو فراس الحمدانى، ومنهم بكل تأكيد الشاعر محمود درويش.

يواصل: "يحتل محمود درويش القمة الشعرية العربية، بتجربة عميقة، كان الشعر فيها سلاحه الذى يقاوم به كل شيء، ويسجل به عروبته وأصالته، ويسطر بها حضارة العرب وانتصاراتهم، ويحذر من يهادن ومن يخون، وينقش به حروفا خالدة لا تقبل الضعف والهوان".

يمضي قائلًا: "جسد محمود درويش في تجربته الشعرية سيرته الذاتية، لكنه لم يتحدث عن نفسه في الحدود الضيقة بقدر ما عبّر عن جموع أهله ومواطنيه في مواجهة الظلم والعدوان، وكان دائم الحرص على أن يكون امتدادًا لتجارب الإنسان الذى يعاني أينما كان".

الكرة وبريد القراء

بعد وفاته، تكشفت الكثير من وجوهه التي لم تكن معروفة، وكان أكثرها إثارة مكتبته الشخصية، والكتب التي كان يقرؤها بعيدا عن ملاحقات معجبيه، ويقال إن غرفة مكتبه كانت تشبه غرف السحرة المليئة بالتعاويذ، فلا أحد يدخلها، ولا يجرؤ حتى على الاقتراب.

وكشفت تقارير صحفية عن عديد من الكتب والروايات داخل مكتبة "درويش"، ويقال إنه كان دائم الحرص على مطالعة "بريد القراء" في الصحف اليومية، ومن خلال هذا الباب كان يتعرف على بعض الأصوات الشعرية التي كانت تنشر تجاربها الأولى قبل وفاته.

عٌرف عن محمود درويش شغفه بكرة القدم، وكان شديد الحرص على مطالعة صفحات الرياضة في الصحف، وكتب مقالًا شهيرًا عن الظاهرة الأرجنتينية مارادونا، ووصف طريقة لعبه في كتابه "ذاكرة النسيان"، وقال في موضع آخر: "نحن أيضا يحق لنا أن نحب كرة القدم، ويحق لنا أن ندخل المباراة".

وأضاف: "لمَ لا؟ لمَ لا نخرج قليلا من روتين الموت. في أحد الملاجئ استطعنا استيراد الطاقة الكهربائية من بطارية سيارة. وسرعان ما نَقَلَنا باولو روسي إلى ما ليس فينا من فرح، رجلٌ لا يرى في الملعب إلا حيث ينبغي أن يُرى. شيطان نحيل لا نراه إلا بعد تسجيل الهدف، تماما كالطائرة القاذفة لا تُرى إلا بعد تسجيل أهدافها".