الشرق للآخبار

تسبب انبعاثات قطاع الطيران من استخدام الوقود قلقاً متزايداً للحكومات وصناع السياسات والمسافرين، حيث فاقت زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من قطاع الطيران التجاري توقعات الأمم المتحدة بـ70%.

وبلغت الانبعاثات من قطاع الركاب والشحن 920 مليون طن في 2019، وفقاً لدراسة أعدها المجلس الدولي للنقل النظيف "ICCT"، قبل أن يضرب وباء كورونا قطاع الطيران حول العالم.



وبينت الدراسة أن الرحلات بين آسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط عام 2019 ساهمت بـ34.5 طن متري من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، أما الرحلات بين أوروبا والشرق الأوسط فكانت حصتها 27.2 طناً مترياً، في حين كانت انبعاثات الرحلات بين الشرق الأوسط وأميركا الشمالية 9.94 طناً مترياً، والرحلات بين دول الشرق الأوسط 18 طناَ مترياً.تأثير كبير ومعقد

ويتخطى تأثير قطاع الطيران على التغير المناخي الانبعاثات الكربونية ويتسم بالمزيد من التعقيد، فبالإضافة إلى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من احتراق الوقود، تُغير الطائرات تركيز الغازات والملوثات الأخرى، فهي تخفض من الأوزون على المدى البعيد، وتؤدي إلى تدني نسبة غاز الميثان، وانبعاث بخار المياه والسخام والهباء الجوي الكبريتي، وتكثفات المياه.

ما يعني أن قطاع الطيران وحده مسؤول عن 3.5% من الاحتباس الحراري، وفقاً لدراسة أجرتها جامعة "ريدنج" البريطانية عام 2020.حلول بديلة

مدير برنامج الطيران بالمجلس الدولي للنقل النظيف، دان روثرفورد، قال لـ"الشرق"، إن هناك عدة طرق لخفض البصمة الكربونية للطيران، منها كفاءة الوقود، واستخدام أنواع وقود الطيران المستدامة، والإفصاح عن الانبعاثات، ووضع تسعيرة للكربون.

وهناك عدة أنواع من الوقود البديل للكيروسين المستخدم حالياً، فبعض وقود الطائرات المستدام يصنع من زيت الطعام والدهون الحيوانية والزيوت النباتية والخضروات المهدرة والخشب، لكنها يجب أن تستوفي عدة شروط لتكون مستدامة.

وشدد علماء البيئة على أهمية الإشراف الحصيف حتى يتم تفادي إزالة الغابات على يد المنتجين ممّن يحاولون الحصول على المواد الخام.

ويجري الآن أيضاً تطوير صناعة الوقود الإلكتروني النظيف كبديل اصطناعي للوقود الخام، وذلك اعتماداً على الطاقة المتجددة، والمياه، وثاني أكسيد الكربون.وقود مستدام

واستثمرت شركات النفط مثل "شل" و"بي بي"، في صناعة وقود الطائرات المستدام بالشراكة مع شركات الطاقة المتجددة وشركات الوقود الحيوي، بهدف بناء سلاسل توريد مصغرة.

وتجدر الإشارة إلى أن كلفة وقود الطائرات المستدام تفوق كلفة وقود الكيروسين بـ3 أو 4 أضعاف، في حين تصل تكلفة الوقود الإلكتروني إلى 6 أو 7 أضعاف كلفة الكيروسين.

ويُعد الهيدروجين أحد البدائل الخضراء الأخرى لوقود الطائرات المستخدم حالياً، ويقدر المجلس الدولي للنقل النظيف في أحدث دراساته التي نشرت يوم 26 يناير، أن طائرات الهيدروجين يمكن أن تغطي نحو ثلث طلب طيران الركاب إذا تطورت التقنيات اللازمة، كما يمكنهم تقليل مكافئ ثاني أكسيد الكربون بنسبة 6 إلى 12٪ في عام 2050.

وأضاف روثرفورد لـ"الشرق"، أنه "مع وفرة موارد الطاقة الشمسية وقربها من مراكز الطيران في دول الخليج، يمكن أن تكون السعودية في وضع جيد للاستحواذ على حصة من تجارة الهيدروجين الخضراء".

طائرات تعمل بالهيدروجين

شركة "إيرباص" الأوروبية تخطط لصناعة أول طائرة تجارية تعمل بالهيدروجين في العالم بحلول عام 2035، تماشياً مع التنبؤات المستقبلية التي تشير إلى أنه من الممكن أن تعمل الطائرات بالاعتماد الكامل على الهيدروجين أو البطاريات، حيث يأمل العلماء أن يتم اعتماد طائرات الهيدروجين في الرحلات القصيرة على الأقل، فتشغيل الطائرات بهذه التقنيات في الرحلات الطويلة يمثل صعوبة.

ويُعد تعديل مسارات الرحلات حلاً آخر من حلول تحجيم تأثير قطاع الطيران على المناخ، وذلك عن طريق تحديد المناطق المشبعة بالتركيزات الضارة في الغلاف الجوي، وتعديل مسار الرحلة لتجنبها.

وبالفعل أطلقت شركة الاتحاد الإماراتية أكثر رحلاتها استدامةً في أكتوبر 2021، إذ للمرة الأولى تُحلق الطائرة التجارية "EY20" بهدف استكشاف فكرة تفادي مناطق التركيزات، وتعاونت الشركة مع شركة "ساتافيا" بالمملكة المتحدة، ليقوم فريقٍ متخصص بتحليل خطة المسار الأولي ومقارنته بالمسار المعدل، حيث نجحت هذه الاستراتيجية في منع إنتاج 64 طناً من ثاني أكسيد الكربون.وفي حديثه لـ"الشرق"، أشار كريم الجندي الزميل المشارك في المعهد الملكي للشؤون الدولية، إلى أنه يعتقد أن أفضل طريقة لخفض الانبعاثات هي تقليل الرحلات الجوية بدلاً من توسع القطاع، خاصة الرحلات ذات المسافات قصيرة، إلى حين توافر بدائل للوقود الأحفوري.

وتشجع بعض الحكومات والمجموعات التجارية على الالتفات إلى القطارات في الرحلات القصيرة، فتجنب رحلات الطيران هو أكثر الطرق فعالية التي من الممكن لسكان الدول الغنية اعتمادها لتقليل تلك الانبعاثات.

رحلات مستدامة بالشرق الأوسط

إضافة للانبعاثات، يمثل البلاستيك خطراً على البيئة، إذ أنه يبقى دون تحلل لعشرات السنين، ما يهدد الحياة البرية وينشر السموم، ويُشتق البلاستيك من مواد مصنوعة من الوقود الأحفوري، وتنتج عن عملية استخراج ونقل هذا الوقود ثم تصنيع البلاستيك، مليارات الأطنان من غازات الاحتباس الحراري، ما يؤدي إلى زيادة التغير المناخي.

وفي محاولة لتقليل مخلفات البلاستيك من جانب شركات الطيران العربية، أطلقت شركة مصر للطيران في يناير الماضي، أول رحلة على مستوى مصر والقارة الإفريقية "صديقة للبيئة"، بدون منتجات مصنوعة من البلاستيك أحادي الاستعمال، حيث توجهت تلك الرحلة من القاهرة إلى باريس.

وفي بيان رسمي، قال وزير الطيران المدني المصري محمد منار، إن "نجاح هذه الرحلة بخدمات ومنتجات صديقة للبيئة سيكون بداية لتعميمها مستقبلاً، بما يتواكب مع خطة وزارة الطيران لمواجهة الآثار المترتبة على التغيرات المناخية".

وتهدف خطة الشركة المستقبلية إلى تقليل استخدام البلاستيك أحادي الاستعمال على متن رحلاتها بنسبة 90٪؜.