أود أن أطرح هذا السؤال، لماذا يجعلون الدولار عملةً مرجعية للاقتصاد العالمي؟ الجواب على هذا السؤال؛ إنه في سنة 1944 أبرمت أمريكا اتفاقية برنتن ووردتز التعدّدية، والتي جعلت الدولار هو المعيار النقدي التعدّدي الدولي لجميع العملات في العالم، حيث تعهّدت أمريكا بموجب تلك الاتفاقية وأمام دول العالم بأنها تمتلك غطاءً من الذهب يوازي ما تطرحه من الدولارات. وتنص الاتفاقية على أن كل من يُسلّم أمريكا 35 دولاراً تُسلّمه أمريكا أوقية من الذهب، حينها أصبح الدولار عملةً صعبةً، وعلى ذلك قامت الدول بجمع أكبر قدر من الدولارات في خزائنها. لكن في منتصف السبعينات ظهر الرئيس نيكسون ليُعلن للعالم أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تُسلّم حاملي الدولارات مقابل الذهب، لذلك سُمّيت تلك السنة بـ«صدمة نيكسون» وأصبحت أمريكا تستغفل العالم وتطبع مزيداً من الأوراق الخضر وتبيع وتشتري ما تشاء دون أن تعترض أي دولة في العالم على ذلك لأن أمريكا كانت القوة العظمى في العالم، لذلك قال عنها الرئيس الروسي بوتين إن أمريكا تسرق العالم، وسارت الأمور على هذا الاتجاه حسب ما تريد سيدة العالم. ولكن لن يستمر الحال على ما هو عليه، فقد سارعت الصين وهي تُسابق الزمن لتكون القوة الاقتصادية العظمى في العالم، وظهرت حليفتها روسيا كدولة عظمى عسكرياً، وظهرت كوريا الشمالية حليفة روسيا والصين والعدو الأمثل للولايات المتحدة الأمريكية، بينما تظل أمريكا وحليفاها التقليديان بريطانيا وفرنسا يصارعون تدهور الوضع الاقتصادي في بلدانهم وخلال السنوات الخمس الماضية وأثناء ظهور جائحه كورونا (كوفيد 19) التي اجتاحت العالم. وكانت أكثر دول العالم التي تأثرت اقتصادياً هما الحليفتين لأمريكا بريطانيا وفرنسا، وتأثرت أمريكا نفسها جرّاء هذا الوباء، بينما سيطرت الصين وروسيا على انتشار هذا الوباء، كما سيطرت المملكة العربية السعودية ودول الخليج على هذه الجائحة وحدّت من انتشارها. منذ أقل من 6 أشهر اجتاحت روسيا أوكرانيا وسيطرت على كل الأراضي الأوكرانية ولم تتبقَّ إلا العاصمة كييف، في الوقت الذي كان من المفترض أن تدخل أمريكا هذه الحرب دفاعاً عن أوكرانيا، لأن هناك اتفاقية بين أوكرانيا وأمريكا تنصّ على أن تقوم أمريكا بالدفاع عن أوكرانيا في حالة تعرّضها للحرب، هذه الاتفاقية وُقّعت سنة 2004 ولكن وكعادتها أمريكا لا يمكن الوثوق بها، بل ومن جرّاء حرب روسيا على أوكرانيا وتَوقُّف ضخ النفط الروسي لأوروبا أصيبت أمريكا والدول الأوروبية بانهيار جرّاء نقص الطاقة، وأوفد الرئيس الأمريكي بايدن مندوبين لدول الخليج يستجدون هذه الدول لضخ مزيد من النفط لأمريكا، ولكن لم تنفع المحاولات، مما حدا برئيس وزراء بريطانيا جونسون إلى زيارة السعودية والخليج لنفس الغرض ولكنه عاد بخفّي حنين، فهل معنى ذلك أن أمريكا أصبحت تتراجع عن المحافظة على لقب سيدة العالم في حين ظهرت قوى عظمى اقتصادياً سيطرت على العالم اقتصادياً مثل، الصين واليابان والسعودية وروسيا؟

إذن زيارة الرئيس بايدن إلى المنطقة الأسبوع القادم ستكون مُهمّةً صعبةً للغاية.

* كاتب ومحلل سياسي