تشهد المعمورة في الآونة الأخيرة عدداً من الكوارث الطبيعية في أنحاء مختلفة من رقعها وأقطارها، اختلفت أشكالها بين حرائق وفيضانات، وارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة، وتعددت خسائرها بين أرواح بشرية وإتلاف مواقع طبيعية، وإلحاق أضرار اقتصادية.

فقد اجتاحت حرائق الغابات التي شهدتها الجزائر في الأيام الأخيرة، نحو عشرة آلاف هكتار من حديقة القالة الوطنية، التي تبلغ مساحتها حوالي ثمانين ألف هكتار، وهي محمية طبيعية فريدة تعد أحد الخزانات الرئيسية للتنوع البيولوجي في البحر المتوسط، ففي غضون 48 ساعة تم رصد أكثر من 70 حريقاً، خلّف عشرات القتلى والمفقودين، حسب تصريحات الجهات الرسمية التي تمكنت من السيطرة على الكارثة في فترة قياسية.

كما شهدت البرتغال وإسبانيا عدداً من حرائق الغابات في ظل استمرار ارتفاع درجات الحرارة، وسجّل شمال إيطاليا وكذلك جزيرة صقلية عدداً من الحرائق، اضطرت على إثره السلطات إلى العمل على إخلاء السكان لإخماد الحرائق، هذا في الوقت الذي أعربت فيه عن مخاوفها من تنبؤات بهطول أمطار غزيرة تؤدي لفيضانات تزيد من دمار الغابات المتأثرة مسبقاً جراء الحرائق النّاجمة عن شدّة الحرارة.

وفي وقت سابق أتى حريق جبل بوقرنين، الواقع بإحدى الضواحي الجنوبية للعاصمة تونس، على 533 هكتاراً، كشفت وزارة الفلاحة في بلاغ لها أنّ الإدارة العامّة للغابات قامت بتحديد المساحة المحروقة بالسلسلة الجبليّة الممتدّة من جبل بوقرنين إلى جبل برج السدريّة من ولاية بن عروس، وقدّرت بـ533 هك من غابات العرعار والصنوبر الحلبي والغابة الشعراء، وأشارت الوزارة إلى أنّه تمّت السيطرة نهائيّاً على الحريق خلال بضع ساعات.

كما اجتاحت أواخر الشهر الحالي عاصفة عنيفة بلغت سرعة رياحها 224 كيلومتراً في الساعة مصحوبة بأمطار غزيرة وبرد جزيرة كورسيكا الفرنسية، مما أدى لسقوط قتلى واقتلاع الأشجار وخسائر مادية كبيرة، وامتدت العواصف إلى إيطاليا حيث قتل شخصان وأصيب خمسون بجروح جراء عاصفة اقتلعت أشجاراً في توسكانا، بحسب ما أفادت سلطات المنطقة الواقعة في وسط البلاد.

وضمن سلسلة الحرائق التي لحقت بلدان البحر الأبيض المتوسط، لقي ثلاثة إطفائيين مصرعهم وأصيب اثنان بجروح بليغة بعد سقوط مركبتهم في واد بمحافظة المضيق شمال المغرب، خلال مشاركتهم في عمليات مكافحة حريق غابات، وفق ما أعلنت عنه السلطات المحلية، مشيرة إلى توقيف 4 أشخاص يشتبه بأنهم وراء إضرام النيران.

وفي سابقة تغيرات بيئية شهد إقليم الخليج العربي تغيرات بيئية فريدة من نوعها حيث شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة نهاية الشهر المنصرم فيضانات عارمة، نجمت عن الأمطار الغزيرة التي عمّت عدة إمارات، وذلك في عزّ ذروة فصل الحر والجفاف، الذي لا يعرف فيه أي هطول للأمطار، غمرت بأضرارها الشارقة ورأس الخيمة والفجيرة، إذ أعلن المركز الوطني الإماراتي للأرصاد الجوية أنّ الإمارات قد سجّلت أعلى هطول للأمطار منذ 27 عاماً.

كل هذه الكوارث الطبيعية التي تباين اختلافها من الحرائق إلى الفيضانات، ومن اشتداد درجات الحرارة إلى أعاصير الرياح والأعاصير، فاجأت وفجَعَت العالم في غضون فترة وجيزة، لم يتجاوز امتدادها أقل من شهري يونيو ويوليو من العام الجاري. فهل يشكل زخم حدوثها، بجميع أنواعها، انتفاضة بيئية تُنذرُ احتجاجاً على التجاوزات البشرية في سوء استخدامها للموارد الطبيعية والتسبب في التلوث البيئي والاحتباس الحراري، وعدم الحفاظ عليها والإفراط في استهلاك واستنفاد الموارد، وإحداث خلل في توازن الثروات الطبيعية، إضافة إلى إشعال الحروب بالأسلحة الفتاكة بالإنسان والبيئة وكائناتها؟