في عز انهيار الريال الإيراني إذ فقد الريال الإيراني نحو 70% من قيمته منذ تعثر المفاوضات في مارس، وحينها كان متداولاً بسعر 260 ألف ريال، ووصل إلى 360 ألف ريال في بداية الاحتجاجات إثر وفاة الشابة مهسا أميني بعد احتجازها لدى «شرطة الأخلاق» في سبتمبر الماضي.

وفي ظل تصاعد وتيرة الاحتجاجات وزيادة عدد المعتقلين والقتلى من الجانبين الإيراني؛ قتلى النظام وقتلى الشعب المحتج يجد النظام الإيراني وقتاً مستقطعاً لسوريا واليمن والعراق ولبنان، فيعد السوريين بالمحروقات النفطية، ويعد اللبنانيين بها، ويصدر المسيرات إلى الحوثيين، ويحاول منع العراقيين من استضافة كأس الخليج 25 في البصرة، ويقصف إربيل ليثبت بما لا يدع مجالاً للشك في أن بقاء سيطرة ميليشياته «العربية» في مناطق نفوذها له من الأهمية في حفظ موقع النظام ذات نفسه وصموده وتقع تبعاته بالتساوي مع مهمة إخماد الثورة الشعبية ضده.

فالنظام الآن يحارب على جبهتين يتعامل معهما بذات الأهمية، نفوذه عبر ميليشياته في الدول العربية يحفظ له مشروعه الذي جوّع الشعب الإيراني من أجله، مشروعه الذي استقطع من قوت الشعب ليطعمه، وهو لا يريد أن يقر ويعترف بأن عليه اليوم أن يتخلى عن أحدهما من أجل بقاء الثاني، فإما التركيز على تمويل الميليشيات أو التركيز على تمويل الشعب، فهو يرى أن فشل مشروعه التوسعي يعني باختصار انتهاء زمن الثورة الخمينية ومبادئها التي قام عليها أسس هذا النظام، والإقرار بعجزه عن استمرار «تصدير» الثورة يعني عجزه عن مهمته الإلهية التي أسس عليها جمهوريته.

النظام الإيراني بلا «تصدير ثورة» يقع حرسه الثوري في إشكال عجز التمويل الذي أصبح مرتبطاً ارتباطاً مباشراً بأنشطة ميليشياته في الدول العربية، فتقوم الميليشيات بتهريب المحروقات والمخدرات وغسل الأموال نيابة عن إيران وتنقل لها حصيلة الأموال لتلك العمليات المشبوهة، وهذا ما يتخادم به الحرس مع الميليشيات مقابل السلاح مع ميليشياته.

إذ نقلت صحيفة النهار اللبنانية في سبتمبر 2019 تقريراً لوزارة الخزانة الأمريكية أشار إلى أن إيران نقلت نفطاً بقيمة مئات ملايين الدولارات أو أكثر عبر شبكة شحن غير مشروعة خلال العام الذي سبق. وقام كل من «فيلق القدس» التابع لـ«الحرس الثوري» و«حزب الله» بتوجيه الشبكة، بما يعود بالفائدة على كلتا المنظمتين وعلى نظام الأسد أيضاً. وأفادت بعض التقارير بأن هذه الشبكة هي التي حفّزت حملة التعطيل البحري التي تقوم بها إسرائيل.

في نوفمبر 2018، وبعد ستة أشهر من اتخاذ إجراءات ضد «البنك المركزي الإيراني» و«مصرف البلاد الإسلامي» في العراق، كشفت وزارة الخزانة الأمريكية عن مخطط تمويل إيراني معقّد يشمل قصير وعناصر أخرى في «حزب الله». «انتهى».

واليوم يتم تضييق الخناق على المصارف العراقية لمنع استمرار نقلها للأموال الإيرانية المهربة والمساعدة بتمويل الحرس الثوري الإيراني.

لذا فإنه من الطبيعي أن يجد رئيس النظام الإيراني وقتاً مستقطعاً في أثناء تلك الاضطرابات التي تعصف بعدة مناطق في إيران ويزور دمشق من أجل الضغط على بشار الأسد لتوقيع اتفاقية تسليم سوريا لإيران بالكامل حيث تنص الاتفاقية على معاملة الإيراني في سوريا معاملة المواطن السوري إضافة إلى أن الإيراني لا يقف أمام القضاء السوري!! ليس هذا فحسب بل تريد إيران من الأسد أن يتصالح مع تركيا ويوافق على تقسيم الحصص التركية والإيرانية بينهما من أجل السيطرة على المناطق الكردية كمصلحة مشتركة بين الإيرانيين والأتراك، باختصار إن ترجمة هذه الاتفاقية لا تعني سوى استسلام بلد عربي بالكامل لإيران خاصة بعد انشغال روسيا بالحرب الأوكرانية.

النظام الإيراني يستنفد كل الفرص الممنوحة له من أوروبا وأمريكا لإصلاح بيته، ويرى أن الدعم السياسي الغربي له مهدد بالانقطاع والتوقف، وحملات مطاردة حلقات التمويل المالي لنظامه القمعي تزداد شراسة وضراوة كل يوم فلا يجد مخرجاً غير الاستناد إلى ميليشيات الخارج لتمويل أجهزة الأمن الداخلي لقمع الانتفاضة ضده.

فهل هي مسألة وقت؟ هل تنجح شبكاته الخارجية بالاستمرار في ظل الرفض الشعبي لها في العواصم العربية الأربع؟ هل التقارب العربي مع الشعوب في العواصم الأربع يعجل سقوط تلك الميليشيات ويقطع عن النظام الإيراني منابع التمويل؟ وهل تشديد الخناق على ميليشياته أكثر يقطع الأوكسجين عن رأس النظام؟