لغة القرآن وعمقه العاطفي حفظاه على مدى 1445 سنة
الحقبة السوفييتية كافحت المسيحية دون الإسلام
سانت بطرسبرغ تضم أكبر مسجد في أوروبا



أيمن شكل

خلال زيارته للبحرين واستضافة مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث له بالتعاون مع سفارة روسيا الاتحادية لدى المملكة لإلقاء محاضرة بعنوان "القرآن في روسيا.. التاريخ والمخطوطات والمشاريع البحثية"، التقت الوطن مع البروفيسور إفيم رزفان، مؤلف كتب تفسير القرآن بالروسية في حوار حول نشأته وتاريخه والأسباب التي دعته لدراسة القرآن الكريم.
رزفان أكد لـ"الوطن" أن الإسلام قد حظي باحترام تاريخي على مر العصور في روسيا والاتحاد السوفييتي.
وقال إن الحقبة السوفييتية ناهضت المسيحية ولم تناهض الإسلام، وهذا الواقع يظهر بوضوح في متاحف كثيرة في روسيا، حيث يوجد العديد من الكتب حول الحقبة السوفييتية توثق الحالة الخاصة بمكافحة المسيحية دون الإسلام، مشيراً إلى أن مدينة سانت بطرسبرغ تضم أكبر مسجد في أوروبا والذي تم بناؤه في عشرينيات القرن الماضي.
وفيما يأتي نص الحوار:
- عرفنا عن تاريخك العلمي؟
أنا أشغل منصب رئيس المركز الدولي للدراسات الإسلامية في متحف "كونستكاميرا"، ومدير متحف سانت بطرسبرغ للثقافة الإسلامية، وأتولى كذلك رئاسة هيئة تحرير مجلة (Manuscripta Orientala) العلمية الدولية لأبحاث المخطوطات الشرقية، وأستاذ كرسي اليونسكو في الدراسات المقارنة للتقاليد الروحية وثقافاتها والحوار بين الأديان في معهد البحث العلمي الروسي للتراث الثقافي والطبيعي الذي يحمل اسم د. ليخاتشيف.
كما أنني تخصصت في مجال الدراسات القرآنية، وقمت بتأليف عدة كتب، من أبزرها "القرآن الكريم وتفسيره"، و" القرآن الكريم وعالمه"، و"القرآن الكريم في روسيا"، وكذلك شاركت في المشروع العلمي الدولي "الموسوعة القرآنية".
- متى بدأت دراسة القرآن الكريم؟
الأمر بدأ معي منذ أن كنت في المدرسة أدرس تاريخ روسيا، وعرفت أن لها علاقات وثيقة مع التاريخ الإسلامي، وكان لدي حلم يراودني أن أسافر إلى دول العالم، ووجدت ذلك متاحاً في كلية وحيدة في جامعة سانت بطرسبرغ تتميز بتوفير منح للدراسة في الخارج، وكان هناك قسم في الكلية للغة العربية، وقد نصحني أستاذ بدراسة اللغة العربية والتاريخ الإسلامي، ووجدت أن القرآن الكريم هو أهم شيء في العالم الإسلامي، ولذلك منذ السنة الأولى في الكلية كرست دراستي للقرآن الكريم.
ومما يجدر الإشارة إليه أن دراستي للغة العربية لم تكن مقتصرة على القرآن الكريم، ولكن كرست السنة الثانية من دراستي لرواية مشهورة للكاتب المصري نجيب محفوظ التي كانت بعنوان "أولاد حارتنا".
- قد يجد الأجانب عادة صعوبة في فهم معاني القرآن الكريم، فكيف تعاملت مع هذه الإشكالية؟
مفردات القرآن كانت مصدراً مهماً لإثنوغرافيا الحياة اليومية في شبه الجزيرة العربية في مطلع القرنين السادس والسابع، ولذلك اعتمدت دراستي المعجمية في المقام الأول على مبدأ أن "القرآن يفسر نفسه"، واستخدمت التحليل السياقي والتاريخي المقارن للمجموعات المعجمية الدلالية للغة القرآن ومقارنتها مع المواد اللغوية في ذلك الوقت.
وبالفعل كان هناك قدر لا بأس به من الصعوبة في تحرير النص، وحاولنا التخلص من الكلمات النادرة واستبدال التعبيرات الغامضة بعبارات أكثر وضوحاً، وبمزيد من التحفظ استطعنا استخدام نصوص قديمة من أيام العرب لتحقيق هدفنا؛ لأن استخدام الكلمات في تلك الحقبة يتيح للباحث المزيد من الفرص لتحديد معاني المفاهيم المستخدمة في القرآن. ولقد ساهمت السيرة النبوية والأحاديث في الوصول إلى معاني مفردات القرآن الكريم، وكان أبرز الكتب التي استعنت بها كتاب ابن إسحاق وأبو محمد البكائي الذي روى السيرة النبوية عن ابن إسحاق وكذلك كتاب ابن هشام.
إن لغة القرآن وعمقه العاطفي ونظام ودقة حججه لم تخدم فقط في تحقيق غرض معين، بل جعلت من القرآن نصاً استمر جزء كبير من البشرية في اتباعه، واستطاع هذا النص أن ينتقل عبر 1445 سنة، وقد كانت الصور الموضحة في النص ملموسة ودقيقة جداً.
- كيف استطعت التعامل مع الإسلام والقرآن خلال حقبة الحكم الشيوعي الذي يرفض أي ديانة؟
أنا ولدت في أسرة ضباط يخدمون في الجيش السوفييتي، ومع ذلك كانت أسرتي متدينة وكنت أرتدي صليباً وأخفيه عن الناس وفي حال رآه أحد أقول إنه هدية، لكن أكثر ما يميز الحقبة السوفييتية أنها كانت تناهض المسيحية ولم تركز على الإسلام، وهذا الواقع يظهر بوضوح في متاحف كثيرة في روسيا، حيث يوجد العديد من الكتب حول الحقبة السوفييتية توثق الحالة الخاصة بمكافحة المسيحية دون الإسلام.
لكن مع بداية الحرب العالمية الثانية، أدركت الحكومة في الاتحاد السوفييتي أن النصر لن يتحقق إلا من خلال الاعتماد على الشعب وحشده من خلال العقيدة، ولذلك بدأت في التنازل عن هذه السياسة، وبدأت تنخفض الحالة الإلحادية ويظهر تيار التدين، حتى إن المساجد بدأت تبنى وتظهر بوضوح في أماكن عدة، وكانت مدينة سانت بطرسبرغ تضم أكبر مسجد في أوروبا حيث تم بناؤه في عشرينيات القرن الماضي، وتم إغلاقه ثم أعيد افتتاحه مرة أخرى.
- هناك مستشرقون من الغرب كتبوا عن الإسلام ولهم توجهات عارضها رجال الدين، فماذا عن الوضع في روسيا؟
كتب كثيرون عن الإسلام في أوروبا الغربية، لكن لا يمكن قول الشيء نفسه عن الإسلام في روسيا، على الرغم من أن الموقع الجيوسياسي للبلاد ومسار التاريخ الروسي قد وضعا الأساس لموقف خاص تجاه الإسلام، وتشير المواد الأرشيفية إلى أن القرآن كان مدرجاً في المكتبات الشخصية لقياصرة روسيا، مثل إيفان الرهيب (1530-1584)، وبطرس الأكبر (1672-1725)، وكاثرين الثانية (1729-1796). كما كان مصير المنشورات والترجمات والمخطوطات النادرة للقرآن مرتبطاً بالقرارات الشخصية للحكام الأعلى في روسيا.
وأذكر على سبيل المثال أنه تم إذاعة القرآن الكريم داخل الكرملين، والذي كان حتى نهاية القرن الخامس عشر مقراً للبعثة التتارية، واتسمت تلك الفترة بالتعايش السلمي بين المسيحية الأرثوذكسية، التي تمتعت بالهيمنة المطلقة على الأراضي الروسية، والإسلام.
وبموجب مرسوم كاترين الثانية (1729-1796) الصادر عام 1787، تمت طباعة النص العربي الكامل للقرآن الكريم لأول مرة في روسيا في سانت بطرسبرغ، وتم نشر القرآن على نفقة الدولة باستخدام قالب مطبوع خصيصاً لهذا الغرض، وقد اختلفت الطبعة بشكل أساسي عن المطبوعات الأوروبية السابقة من حيث طابعها الإسلامي، حيث تم إعداد النص القرآني وتزويده بتعليق هامشي مفصل للملا عثمان إسماعيل نفسه.
- ما هي الجولة القادمة في المنطقة؟
لدي حلم أن أزور مكة وأرصد الحج ولكن كمسيحي أرثوذوكسي أعلم أن ذلك مستحيل، وأنا أعرف كثيراً من شعائر الحج، لكن أعلم من خلال دراستي للقرآن استحالة زيارتي لمكة ومتابعة الحج كشخص أرثوذوكسي، ولا أريد أن أخالف تلك التعاليم الدينية التي درستها ومقتنع بها.
ومع ذلك هناك مناطق كثيرة في الوطن العربي من مزارات أستطيع الدخول إليها كما أن العالم الإسلامي عالم كبير، ولقد زرت تقريباً كل الأماكن مثل إندونيسيا والأزهر في مصر وأنتجت فيلماً عن الأزهر والتقيت مع الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي.