تميزت مملكة البحرين بمواطنيها الطموحين، الذين طوروا مهاراتهم بمواصلة تعليمهم الجامعي، وحصولهم على الشهادات العليا من خلال البعثات الدراسية التي منحت لهم من مؤسساتهم الوظيفية أو من كان على حسابه الخاص، حيث الأرضية المحفزة لوجود أنظمة وقوانين، ومعايير التطوير الوظيفي التي تتناسب والمؤهلات والخبرات، ومستوى الأداء لتكون هي جدارة الموظف المستحق وفقاً للمادة «14» من المرسوم بقانون رقم «48» لسنة 2010 والتي تنص على «إن ترقية الموظف تعتمد على أساس الجدارة بقرار من السلطة المختصة بعد موافقة ديوان الخدمة المدنية»، كل ذلك من أجل حفظ حقوق الموظف الحكومي واستمرارية عطائه، وتميزه كشريك في التنمية والتطوير المؤسسي في مملكة البحرين. كما هناك ضوابط الأداء الوظيفي، لتحديد مستوى أداء وعمل الموظفين الأكفاء والمتميزين في المؤسسات الحكومية، والزيادات السنوية، والمكافآت، والحوافز التي ساهمت في رفع مستوى العطاء الوظيفي، حقيقة.. نظم وقوانين متميزة، وجديرة بالتقدير والاحترام، وضعت ضمن دراسات لخبراء ومستشارين ضلعاء في المجال الإداري والقانوني. ولكن ما يثير الجدل ويشكو منه واقع الحال الحالي طرح الكثير من التساؤلات والاستفسارات، وأبرز علامات التعجب والاستغراب، وضاعف من الانتقادات، وأكثر من العبارات المكبلة بقيود البؤس والإحباط في لقاءات وحوارات موظفين المؤسسات المتميزين أصحاب الجدارة الذين تخطاهم مؤشر بوصلة الاختيار في الترقي والتطوير الوظيفي، عندما نرى المشاهد المؤلمة على مسرح العمل الوظيفي وما يعانيه أصحاب الجدارة، نتيجة عدم أخذ القوانين والمعايير بعين الاعتبار في تحقيق الطموح الوظيفي لهم بميزان العدل.

موظف يتمتع بمهارات عالية ركن في الزاوية المجهولة من أجل مسؤول لم يتقبله، موظف يحمل كل مؤهلات الجدارة يعمل تحت إدارة مسؤول لا يقدر هذه المؤهلات، موظف مبدع ومسؤول محبط، موظف جريء في الطرح وإدارة تكتم الأفواه،، أداء وظيفي تحكمه أهواء المسؤولين والنسب المطلوبة من الجهة المسؤولة بالأداء الوظيفي حتى أصبح جواز مرور فقط للحصول على الزيادة السنوية للبعض، والآخر غير المستسلم لهذه الأهواء جُر إلى مراكز الشرطة، ولجان التحقيق في المؤسسات الحكومية، مكافآت وحوافز غير معتبر بها لمستحقيها، بُعد المسؤول عن المرؤوس وإضعاف فرصته في الحصول على ما يستحقه، ومعايير غير معتبر بها ضمن خطط الترقي. معضلة ومعادلة صعبة لتحقيق نتائج العدل فيها، فكان التقاعد الاختياري أو ما تم وما يتم حالياً التقاعد المبكر، أو الاستقالة التي توجهها المحبطون بعبارات مكررة ومترددة في كل محفل، وجمع يثار فيه الحوار «لا يوجد تقدير، ولا اهتمام للكفاءات، ولا مستقبل طموح يجبرنا على البقاء والعطاء والاستمرار، عمرنا يمضي ولا مساحة في ساحة لا تتناسب فيها أعمارنا ومكانتنا الذاتية مع ما هو مطلوب، قُتل الطموح، ومات العطاء، خوف وقيود» فمنهم من خاف على صحته وتنحى عن كرسيه، ومنهم من التفت بعطائه لأسرته، ومنهم من التفت إلى مشروعه الخاص، ومنهم من سخر عطاءه ضمن المؤسسات المجتمعية والمدنية، ومنهم من ضاعت حساباته فضاعت معادلات استقراره المعيشي.

واقعٌ مؤلم ومشاهد محزنة على مسرح العمل الوظيفي، مثير للجدل والدراسة، واقعٌ من الضرورة عدم تجاهله، واستخلاص آثاره المستقبلية، لكونه يمس شريحة لعدد كبير من المواطنين الطموحين الذين مازالوا في ربوع عطائهم وينعانه، تسبب في تراجع الدراسة الجامعية، والسعي للحصول على الدراسات العليا، وعدم الاهتمام بالعطاء والاكتفاء في نهاية العام بمستوى أداء وظيفي «يفي بالتوقعات» لعدم وجود هدف يحقق الطموح أو العدل في اختيار الكفء وفقاً للمعايير المقررة.