عندما تطور الفكر البشري ووصل إلى مرحلة وضع التشريعات والقوانين، كان الهدف هو تنظيم أوضاع الناس وترتيبها من أجل حياة أفضل وحفظ الحقوق العامة للمجتمع، لكن في بعض الأحيان تكون هذه القوانين سبباً في إرهاق الناس وتعبهم بما تحتويه من شروط صعبة و«بيروقراطية».

ولدينا في البحرين نموذج لذلك ألا وهو القوانين واللوائح التي تنظم الاشتراطات البلدية وبعض الأمور الخاصة بقطاع الإسكان، والتي باتت تحتاج إلى مراجعة وإعادة تعديل يتناسب مع الأوضاع المعيشية الراهنة، وفي مقدمتها تلك الخاصة بمنح رخص البناء والهدم والتعديل في البيوت الإسكانية الحديثة، والتي تحولت إلى مصدر معاناة حقيقي ومزمن للمواطنين.

فالمواطن الذي قضى سنوات من عمره في انتظار الحصول على بيت العمر الذي يوفر له الطمأنينة في الحياة والاستقرار في المستقبل، تبدأ معاناته مع اللحظة الأولى لتسلمه الوحدة الإسكانية، ما بين صغر المساحة ومشكلات التصميم الداخلي، إلا أنه رغم ذلك يقبل بذلك الوضع وهو يحدوه الأمل في أنه سيقوم بتغييره وإجراء التعديلات المناسبة على حسابه الخاص، وبمجرد التفكير والبدء في ذلك يتفاجأ بسلسلة طويلة من التعقيدات الإدارية والمتطلبات والشروط والرسوم التي تدخله في حالة من الدهشة والذهول والصدمة !!!

يشتكي كثير من المواطنين الحاصلين على بيوت إسكانية حديثاً من أنهم عندما يتوجهون للحصول على رخصة من البلدية المختصة في نطاقهم السكني لإجراء تعديلات على بيوتهم يصدمون برفض الطلب والسبب أنه لم يمر على انتفاعهم بالوحدة الإسكانية الموعد القانوني الذي يسمح بهم بالتعديل مما يستغرق منهم سنوات وسنوات، فهل هذا منطقي أو معقول؟، كيف لرب أسرة أن ينتظر كل هذه السنوات الطويلة حتى يحصل على ترخيص بإجراء تعديل يوسع به على أسرته؟، ألم يضع من قام بصياغة هذا الشرط في حسبانه أن الظروف تتغير، وأن من يحصل على بيت اليوم ولديه أطفال بعد عدة سنوات سيكون الأبناء في سن الشباب، وبالتالي لن تكون الوحدة في شكلها الحالي مناسبة للعيش والاستقرار؟!!

إن هذه التعقيدات جعلت البعض يخالف الشروط الموضوعة، وهو تصرف غير مقبول مطلقاً، وقاموا بإجراء تعديلات بدون الحصول على ترخيص يتم تغريمهم بمبالغ طائلة؟، مما جعلهم في مرمى التجاوزات التي تصل في كثير من الأحيان إلى النيابة العامة، وهنا تبرز إشكالية أخرى، وهي أن البلدية تلزم المواطن بإزالة ما قام به من مخالفات على حسابه الشخصي ولا تكتفي بذلك بل تقوم بتغريمه مبالغ طائلة ويكون الوضع ينطبق عليه المثل المصري الشهير «موت وخراب ديار».

بالله عليكم، ماذا يفعل المواطن؟، لماذا تصعب الجهات المعنية عليه الأمور وتزيد عليه الأعباء؟ لماذا يستمر في المعاناة بسبب قصور الاشتراطات التي وضعت منذ سنوات طويلة، ولماذا لا تكون هناك مرونة وأن يكون التعامل مع كل حالة على حدة، وأن لا يتم اتخاذ أي إجراء قانوني إلا بعد دراسة الحالة بشكل مستفيض وأن تراعى في ذلك الوقت الجوانب الإنسانية لكل حالة؟ وأن يكون هناك آليات عملية للتصالح، ارحموا المواطن من الدوران في هذه الحلقة المفرغة.. حفظ الله عز وجل مملكة البحرين وأدام عليها نعمة الأمن والاستقرار.