ربما يكون أبناء الجيل الحالي من أبنائنا الصغار أفضل حالاً من أجيالنا نحن الآباء والأجداد فيما يخص انتشار التكنولوجيا الحديثة، التي وفرت أمامهم الكثير من الأمور التعليمية والترفيهية، وجعلتهم أكثر معرفة ودراية بالعالم المحيط بهم، لكنها في ذات الوقت «اغتالت» لدى عدد كبير منهم كثيراً من القيم الاجتماعية المهمة، وجعلتهم «أسرى» للوسائط التكنولوجية، سواء كان هاتفاً نقالاً أو شاشة كمبيوتر أو أجهزة لوحية وغيرها، لتكون معاناتهم أكثر تعقداً وصعوبة في فهم الحياة على حقيقتها.

في فترة طفولتنا نحن، ورغم قسوة الأوضاع المعيشية وقلة الإمكانيات، إلا أننا كنا نستمتع بكل لحظة من يومنا عن طريق التجمعات الأسرية والزيارات العائلية وألعابنا البسيطة في الشوارع، كان لدينا «ربع» حقيقيون من لحم ودم، نتقاسم معهم الأفراح وأوقات اللهو والفرح، نقضي صباحنا بين أحضان أسرنا ونتعلم من آبائنا وأمهاتنا وكبارنا الأخلاق والقيم، نتشرب منهم معاني الاحترام والترابط والكرم والتعاون، ثم نمارس ألعابنا البسيطة في فرح وسرور، وبعدها نخلد إلى النوم بعد صلاة العشاء بقليل، حيث لا سهر ولا تضييع للوقت فيما لا يفيد.

أما الآن، فإن أبناءنا لم يعد يشغل بالهم إلا الوسائط التكنولوجية وألعاب الفيديو ومنصات التواصل الاجتماعي، حتى الصداقات تحولت إلى واقع افتراضي، وقلما نجد بينهم صداقات حقيقية تقوم على اللقاء المباشر والمشاركة والتفاعل الإيجابي، وقلت حركتهم ونشاطهم، وأرهقتهم الساعات الطوال التي يقضونها أمام الأجهزة، حتى أصبحت السمنة وتعثر الكلام والانعزالية والتوحد، بل والعدوانية أحياناً نمطا ًواضحاً بين العديد منهم.

جميعنا يرى ذلك ولا يسأل نفسه عن السبب، وذلك ببساطة لأننا نحن الكبار أيضاً، وللأسف، دخلنا مثلهم دائرة إدمان التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، وقمنا بالتفريط في دورنا الأهم وهو التربية والتنشئة الصحيحة على القيم والأخلاق الإسلامية، أصبحنا نفرح بتفوق أبنائنا وسرعة تعلمهم لبرامج التكنولوجيا الجديدة واحترافهم لها، حتى لو كان ذلك التفوق جاء على حساب الأهم، وهو صحتهم وتنشئتهم، انشغلنا عنهم لأسباب عدة وتركناهم فريسة لهذه الخيالات وبخاصة في شهور الصيف الطويلة، فأصبح الحال كما نراه الآن.

وهنا، أتساءل عن سبب ضعف تأثير وربما اختفاء دور الوزارات المعنية في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، فلماذا لا تبادر إلى تنظيم أنشطة وفعاليات صيفية في كل المناطق بلا رسوم مالية تكون موجهة للأطفال والطلاب، وبها برامج تعيد إليهم الجوانب المفقودة لديهم حالياً من تواصل اجتماعي حقيقي وتشجيع على القراءة والتفكير، وممارسة ألعاب تنشط لديهم الجوانب الحركية وتحفظ لهم صحتهم، لاسيما وأن الأنشطة الصيفية الخاصة التي يتم الإعلان عنها سنوياً مكلفة جداً، إذ تبدأ من 25 ديناراً وتصل إلى أكثر من 100 دينار أحياناً، وهو أمر مرهق للأسر التي لديها أكثر من طفل.

لدينا في مملكة البحرين أكثر من 200 مدرسة، لماذا لا تبادر وزارة التربية والتعليم إلى الاستفادة منها ومن ملاعبها ومرافقها الرياضية والموسيقية ومكتباتها خلال فترة العطلة الصيفية، من خلال الإعلان عن مشروع وطني شامل وبالمجال يستقطب أبناءنا ويشغل وقت فراغهم فيما ينفعهم، ولدينا تجارب ناجحة في دول عربية طبقت هذا الأمر بكفاءة، يجب أن يشارك الجميع سواء الأسر أو الجهات الرسمية والخاصة في مساعدة أبنائنا على استرداد طفولتهم المسروقة، فهم أمانة سوف يسألنا المولى عز وجل عنها يوم القيامة.. حفظ الله مملكة البحرين وأدام عليها الأمن والاستقرار.