من المقولات السائدة في دروب النجاح: «لا يصل الناس إلى حديقة النجاح دون أن يمروا بمحطات من التعب والفشل واليأس، لكن صاحب الإرادة القوية لا يطيل الوقوف في هذه المحطات». تنطلق كلماتي من هذه المقولة، والتي تفرز من مفهومها العديد من المصطلحات المعنية «بالنجاح»، وقد عنونتها اليوم بـ«مسرحية النجاح» والتي تدعوك في كثير من الأحيان بأن تكون مُتفرجاً على فصولها، ولا تطيل البقاء في بعض المحطات المُزعجة؛ لأنك تُدرك أنك في نهاية المطاف ستحقق المنشود والغاية التي خلقت من أجلها وسعيت من أجل تحقيقها في سنوات طويلة مرت، إيماناً منك بأن التوفيق إنما يأتي من الله تعالى وحده، وأن تقدير الأرزاق، وتصريف الأمور، وتغير الأحوال، والتي تأتي أحياناً على غير ما توقعت، أو قد تنصدم بمواقف مفاجئة غريبة لم تتوقعها، كل ذلك إنما هو تقدير من الجبار الذي أحاط بكل شيء علماً، والذي يسير الأمور من أجل صالح عبده الذي صدق في نواياه وخط بيمناه أجمل أهداف الحياة، ليكون فيها فاعلاً مُنتجاً معطاءً صاحب أثر إيجابي جميل. كل ذلك من الجبار الذي يريد أن يجبر كسر أيام مضت من حياتك.

المسرحية بفصولها المُتعددة لم تكن وليدة اللحظة، بل هي سيناريو طويل، كنا نكتبه في تلك الذاكرة «المنسية أحياناً» ولربما طفحت على السطح لفترات مُتعاقبة، ولكنها في نهاية المطاف مسرحية لها ما لها من العظات والتأملات التي تُعطيك صبراً على تلك المشاهد الثقيلة أحياناً، وتلك المواقف المريبة المُزعجة. الصبر الذي هو عنوان نجاحك، وأسلوب تعاملك مع الحياة، فلولاه لكنا نفوساً مُتزعزعة لا قرار لها في دنيا البشر. الصبر بأن تصبر نفسك عن التسخط من الأوضاع، وعلى الرد في أحيان كثيرة على تصرفات البشر الرعناء، أو الرد على فصول مسرحية هزلية كتبت فصولها من آخرين لا يجيدون التعامل مع أسلوب الحياة الحقيقي المبني على أخلاقنا القويمة التي تعلّمناها من ديننا الحنيف.

دائماً ما أتأمل قول المولى عز وجل الذي يواسي فيه رسوله صلى الله عليه وسلم: «واصبر وما صبرك إلا بالله، ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون». إنه الصبر على عوائق الحياة وعلى مكائد البشر، وعلى تلك العراقيل المُتعبة التي تُنسي الإنسان أهدافه السامية في الحياة. هنا يأتي يقينك بالمولى الكريم، واستذكارك لنعمه وفضله، ونضج فكرك، وخبرتك التي أعطتك إيماناً بأقدار الحياة وبقدرة المولى بأن تسير في طريق جميل من النجاح يحتاج معه «الصبر والمصابرة» ويحتاج معه بأن تستيقن بأن أحوالك التي مضت قضيت فيها أثراً جميلًا في أكثر المحطات التي مرت عليك، ولربما آن الأوان بأن تتغير اليوم بعض الفصول، من أجل تولد من جديد في محطة عمرية جديدة، تُوّلد لديك سيلاً من الأفكار الناضجة لتزيد عطاءً في محيط «الأثر الجميل» وغيث النجاح الذي لا ينقطع أثره عن الكون. استذكر أهمية الدعاء لكي تتيسر أمورك في «مسرحية النجاح» ولكي تنطلق قوياً كما كنت، وابتهل إلى المولى الكريم بدعاء جميل «اللهم لا تُشغلني إلا بك». وهذا هو أساس الخير، حتى لا تتعرض لخطر الانغماس والانشغال بالصور الذهنية لمشكلات الدنيا وهوامشها التي لا تنتهي. الانشغال بالقرب من المولى الكريم وبأثر الأجور الخالدة، والتغاضي عن كل الأشياء الأخرى، حتى تكون في نعمة وطمأنينة وسكينة دعوت المولى أن تكون ديدنك في العيش على هذه البسيطة في دنيا سريعة الزوال. وكما قيل: «اطمئن، فما أراده الله تعالى لن يوقفه البشر. «إنا كل شيء خلقناه بقدر».

سبحان الله.. في هذه المسرحية توقن بقلبك الذي يقرأ سطور الأيام بوعي تام، بأنك على وشك الانتهاء من حقبة معينة بذاتها، والبدء بحقبة جديدة، لخير أراده الله لك، ولكونها من سنن الحياة المتداولة، فالأيام دول لا تبقى على حال، وآن الأوان للبدء بفصل جديد لقدراتك الناضجة التي كانت أساس نجاحاتك ونضج خبراتك.

في كل يوم تمحيص واختبار وقدر ساقه المولى لك، فاطمئن لأنك في معية الله تعالى وحفظه مهما همّش تجاربك البشر، وشكّكوا في قدراتك، حينها اطمئن وثق بتلك المسيرة الخصبة التي ملأت بها فصول المسرحية الناجحة. سبحانك يا رب، تجبر الخواطر وإن غصنا أحياناً في عراقيل لا تنتهي، لأنك تُحب عبدك بأن يحصد الأجور، فالرسالة الربانية تعطينا درساً في الخير، وتُعطينا أملاً في القادم الجميل.

ومضة أمل

اللهم إنا نسألك حُبك وحُب من يُحبك، والعمل الذي يُبلغني حُبك، اللهم اجعل حُبك أحب إليّ من نفسي، وأهلي، ومن الماء البارد.