قدّمت مملكة البحرين في ظل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، خلال استضافتها أعمال الدورة العادية الثالثة والثلاثين لاجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، نموذجاً يُحتذى في الأسلوب الأمثل للتعامل مع التحديات والأزمات التي تمر بها المنطقة العربية، إيماناً منها بأن هذه الأزمات ذات طبيعة جوهرية، وتمثل تهديداً حقيقياً لبنية الكيان العربي ومستقبله، ولذلك حرصت المملكة على توفير كل الظروف التي تسهم في تحقيق التضامن العربي ووحدة الصف.

الكلمة السامية لجلالة الملك المعظم التي ألقاها خلال ترؤسه أعمال القمة حددت بجلاء أبعاد الأزمات التي تمر بها المنطقة العربية، سواء تلك التي تتعلق بالداخل العربي، أو المرتبطة بالعالم الخارجي، حيث أشار جلالته إلى أن انعقاد القمة يأتي وسط ظروف إقليمية ودولية بالغة التعقيد من حروب مدمرة، ومآسٍ إنسانية مؤلمة، وتهديداتٍ تمس الأمة العربية في هويتها وأمنها وسيادتها ووحدة وسلامة أراضيها، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية بما تشهده من تطورات في الوقت الراهن.

إن رؤية مملكة البحرين حول الآلية المثلى لمواجهة الأزمات العربية، والتي أعلنها جلالة الملك المعظم في كلمته السامية، وقام مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة بتضمينها في البيان الختامي «إعلان البحرين» تضمنت إدراكاً شاملاً لطبيعة هذه التحديات ومخاطرها على الأمن القومي العربي، واشتملت على منهاج متكامل لتعزيز مسيرة العمل العربي المشترك وتطويرها بما يحقق للدول والشعوب العربية الأمن والاستقرار، مع ضرورة فهم متطلبات العصر ومواكبة عجلة تقدمه.

ووفقاً لعلم إدارة الأزمات، فإن هناك عدة طرق للتعامل مع الأزمات بغض النظر عن طبيعتها، من بينها الطرق التقليدية التي في الغالب يتم فيها التقليل من أهمية الأزمة وتأثيرها ونتائجها، والطرق غير التقليدية، والتي تتضمن تقديم حلول مبتكرة ومسارات بديلة للتصدي للأزمات، وهو النهج الذي اتبعته مملكة البحرين من خلال المبادرات غير المسبوقة التي تضمنتها الكلمة السامية، والتي أوضح جلالته، حفظه الله، أنها تهدف إلى خدمة القضايا الجوهرية لاستقرار المنطقة وتنميتها، والتي تمثلت في الدعوة إلى مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط، ودعم الاعتراف الكامل بدولة فلسطين وقبول عضويتها في الأمم المتحدة، والمقترح الخاص بتوفير الخدمات التعليمية والصحية للمتأثرين من الصراعات والنزاعات في المنطقة، ومبادرة تطوير التعاون العربي في مجال التكنولوجيا المالية والتحول الرقمي.

ما أعلنه جلالة الملك المعظم في «قمة البحرين» يمكن أن يطلق عليه في علم الإدارة «خطة إدارة الأزمات»، والتي تتضمن في أبسط شروحها تشخيصاً للأزمة وطبيعتها والظروف المحيطة بها، ومن ثم طرح الأسلوب الأمثل للتعامل معها، ضمن منهج علمي وعصري، وتسخير الطاقات التي تعين على مواجهة الأزمة، واستشراف مستقبل الأزمة ووضع البدائل المناسبة للتعامل معها، وهو ما عبر عنه جلالته في قوله: «إن نجاحنا في التقدم والبناء الحضاري لامتلاك استحقاقاته، لهو مرتبط بقوة إيماننا واستمرار سعينا لتحظى شعوب المنطقة بأجواء السلام الدائم، وأن تعتاد الأمان، ولتنعم بجوهر التنمية الشاملة والقائمة على العدالة والمساواة وتعزيز حقوق الإنسان وحماية حرياته».

إن نجاح مملكة البحرين في استضافة أعمال القمة العربية يؤكد قدرتها على قيادة مسيرة العمل العربي المشترك برؤية شاملة ومتكاملة، رؤية تتجاوز المفاهيم التقليدية للتعامل مع الأزمات العربية التي اعتادت عليها الشعوب العربية في العقود الماضية، ولتكون مملكة البحرين صاحبة مبادرة وفكر رائد يؤسس لمستقبل جديد في التعامل مع الأزمات العربية، فكر ينطلق من نهج المملكة الداعي للسلام والحوار والتعايش، والداعم لكل جهد يرمي إلى أمن واستقرار ونماء العالم باعتباره خياراً لا بديل عنه.