تابعت بشغف العرض الكبير لافتتاح مهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون، والرسالة المهمة التي أوصلها القائمون على العرض والتي طرحوها بأسلوب مبدع وهي «من هو الإعلامي؟».
للأسف الشديد هذا التساؤل المهم إجابته واضحة، ولكنها غير مطبقة، فنحن نعلم جيداً أن الإعلامي أو الصحافي، هو ابن هذه المهنة، ومن يعمل بها، ويلتزم بقوانينها وأخلاقياتها، ويتعب كثيراً للحصول على هذا اللقب.
أما الآن، أصبحت مهنة من لا مهنة له، وكل من هب ودب، دشَّنَ حساباً في التواصل الاجتماعي، وحصل على لقب إعلامي، بغضّ النظر عما يقدمه، والمعايير المهنية الأخرى، والتي لا تنطبق عليه ولو بنسبة 1%.
ولا أعلم من أين جاءتهم الجُرأة للحصول على هذا اللقب، وكيف صدّقهم الناس؟ وكيف يتم التعامل معهم على هذا الأساس؟
والأدهى والأمَرّ، هو تعامُل البعض معهم على أساس أنهم إعلاميون، أو تخفيفاً للكلمة «مؤثرون في وسائل التواصل»، بل وتمنحهم عقوداً ودعماً مادياً ومعنوياً لا يستحقونه بأي شكل من الأشكال، وتجعل منهم نجوماً يمثلون مجتمعنا، وهم لا يمثلونه من الأساس.
ولهذا الأمر عدّة مشاكل يخلقها، ويتسبّب بها، أولها بكلّ تأكيد، هو إقحام من لا يستحق في هذه المهنة العظيمة، حتى وإن لم يكن له صفة حقيقية، وهذا أمر غير مقبول، فلا يمكن لشخص لم يدرس الطب أن يصبح طبيباً، ولا من ليست لديه رخصة محاماة أن يترافع أمام المحكمة، وهلمَّ جرّاً وصولاً إلى الإعلامي.
كما أن المشكلة الأخرى التي حدثت، هو ما يزرعه هؤلاء لدى الناس من قيم غير سويّة، وتصرفات غير مقبولة بتاتاً، وينشرون ويروّجون لكل ما من شأنه هدم المجتمع.
وأخطر ما يروّج له هؤلاء هو حياة الرفاهية غير الحقيقية التي يدّعون أنهم يعيشونها، والأموال الطائلة التي يتحصّلون عليها، والتي ظهرت ملامح بعضها بقضايا غسيل الأموال في دول مجاورة، وكشف سرّ حياتهم المرفّهة جداً جداً، وهو خطر يتجاوز المجتمع ويتضمّن مخاطر أمنية جسيمة.
وما يروجون له أيضاً في المجتمع للأطفال من أن «التواصل الاجتماعي» يضمن لهم حياة رفاهية أكثر من الدراسة، وغيرها العشرات من القيم الهدّامة والسيئة، والتي يتربّى عليها الجيل القادم.
ولكون هؤلاء لا تحكمهم ضوابط ولا أخلاقيات إعلامية، ويمتلكون شهرةً واسعةً، رأينا حالات الترويج لمنتجات غير مناسبة، وأدوية وعمليات مضرّة، وكل ذلك تسبّب بآلاف المشاكل التي لا حصر لها، والأخطر هو أنهم قد يروّجون لأفكار سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية هدّامة، ومن وسطنا جميعاً.
هذه الظاهرة التي تفشّت كالنار في الهشيم، يجب أن يتمّ القضاء عليها بأقرب وقت ممكن، وإلا فإن رقعة مشاكلها ستصبح أكثر اتساعاً، وحينها سنفقد السيطرة التامة عليها، ونحصد نتائج لا نرغبها بتاتاً.
والحلُّ من وجهة نظري قانونيٌّ بحت، من خلال تشريع يمنع ممارسة الإعلام لغير الإعلاميين، أُسوة ببقية المهن، ويمنع أيضاً أيّ جهة كانت من التعامل معهم على أساس أنهم إعلاميون، ولا يحصلون على الدعم اللازم تقديمه للإعلاميين، وهذا التشريع نحن أحوج ما نكون إليه الآن، وأتمنّى أن أراه قريباً.