جلالة الملك مدّ يده للسلام لإيران، وهذه ليست هي المرة الأولى التي يبدأ فيها جلالة الملك السلام لأنه «خيرهما» كما قال رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام عن المتخاصمين «وخيرهما من يبدأ بالسلام»، فهل إيران مستعدة؟
قبْلَنا مدّت المملكة العربية السعودية يدَ السلام وقامت بخطوات كبيرة لعودة العلاقات، وبماذا جُزيت؟
أولاً إقرار خامنئي بأن هدف 7 أكتوبر هو وقف مسيرات السلام بين إسرائيل وأي دولة عربية، وكانت السعودية -كما هو معروف- تتفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية على صفقة أمنية تضمن عقد اتفاقية مع إسرائيل برعاية أمريكية وتنصّ على الاعتراف بدولة فلسطينية، ويترتب على تلك الاتفاقية ضمانات أمنية أمريكية كبيرة في صالح المملكة العربية السعودية، وهذا ما تخشاه إيران فعملت على تعطيله واستهدفت إلغاءه تماماً.
إذ صرّح خامنئي في ذكرى وفاة الخميني بأن «عملية طوفان الأقصى التي حدثت في 7 أكتوبر الماضي كانت بالضبط ما كان مطلوباً في المنطقة، كانت منطقتنا بحاجة إلى هذه العملية، وجاءت استجابة لحاجة إقليمية كبيرة. في مثل هذه اللحظة الحرجة، بدأ هجوم طوفان الأقصى، مما أدّى إلى نسف جميع خطط العدو. لقد ألغى طوفان الأقصى الخطة المدبّرة بدقة من قِبَل العدو، ومع الوضع الذي حدث في الأشهر الثمانية الماضية، ليس هناك أمل في أن يتمكّنوا من إحياء هذه الخطة». وبعد هذه التصريحات، أصدرت الرئاسة الفلسطينية بياناً رسمياً أدانت فيه هذه التصريحات وكتبت: «تصريحات خامنئي تعلن بوضوح أن هدفها هو التضحية بالدم الفلسطيني وتدمير الأرض الفلسطينية».
وجاء في بيان الرئاسة الفلسطينية: «هذه التصريحات التي تعلن بوضوح أن هدفها هو التضحية بالدم الفلسطيني وبآلاف الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير الأرض الفلسطينية، لن تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وأن الشعب الفلسطيني يقاتل ويكافح منذ مائة عام، وهو ليس بحاجة إلى حروب لا تخدم طموحاته إلى الحرية والاستقلال، والحفاظ على القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية».
وتابعت الرئاسة، «إن ما نريده هو إنهاء الاحتلال وتجسيد دولتنا الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية، وليس سياسات لا تخدم الأهداف الوطنية الفلسطينية الممثلة بتحرير القدس ومقدساتها، وتدمر الشعب الفلسطيني وتهجّره من الأرض التي ناضل من أجل الحفاظ على هويتها جيلاً بعد جيل». «انتهى».
فهل هذا تصرّف يتّسق مع مدّ اليد للسلام؟
وينطبق السؤال على الحالة البحرينية، إذ إن إيران رحّبت بدعوات السلام البحرينية كما رحّبت بدعوات السلام السعودية، لكنها أصرّت أن تعمل بعكس هذا الاتجاه، والدليل هذا الإقرار الذي يوضّح أن ما تسعى له المملكة غير مطلوب إيرانياً ولا يخدم المصالح الإيرانية وأن تعطيله وإفشاله سيخدم المصلحة الإيرانية وأن ما حدث هو «حاجة إقليمية مطلوبة»، تُرى عن أي إقليم يتحدّث خامنئي؟
وتتتالى الأدلة على سعي إيران لإحداث الفوضى وإدارة ظهرها لكل الأيادي الممتدة لها للسلام، إذ طلب خامنئي من «خدمه» أي ميليشياته ووكلائه في المنطقة إعلان «حج البراءة» من قوافل حجاجهم، أي القيام بالمظاهرات وإحداث الفوضى في مكة المكرمة أثناء القيام بشعائر الحج، ولبّى الخدم كعادتهم الدعوة فأعلن «حزب الله» وميليشيات من الحشد والحوثي التلبية والسمع الطاعة لسيّدهم، فحذّرت المملكة العربية السعودية من أن أي محاولات للإخلال بأمن الحج ستلقى ردعاً صارماً وقوياً.
لذلك فإن السؤال يتكرّر مرة أخرى، هل هذا سلوك من يريد الخير والسلام؟ فإذا كان هذا تصرّفها تجاه سلام مع الدولة الكبرى في المنطقة، الدولة التي رحّبت بعودة العلاقات معها وافتتحت سفارة لها فيها، فكيف سيكون سلوكها معنا؟
ويتكرّر السؤال؛ هل إيران مستعدة فعلاً أن تتخلّى عن مشاريعها التوسّعية والالتفات لشعبها ومقابلة السلام بالسلام، هل إيران مستعدة للكفّ عن التدخل في شؤون الآخرين؟ هل تملك إيران الشجاعة التي تحلّى بها جلالة الملك وهو يمدّ يده للسلام؟