في كل مرة تُرزق فيه بخير جميل من المولى الكريم، ترفع كفوف الشكر وتسجد له سجود الشكر أن أعطاك خيراً وفيراً ورزقاً جميلاً سيكون له التأثير الكبير في مسير حياتك، وسيكون لك بلسماً شافياً من هموم الحياة. هنا تأتي الخطوات الأولى من أجل الاحتفاء بهذا الرزق الجميل، فتغدو باسم الثغر تهتف بالحُب وتكتب أجمل الكلمات من أجل أن تكون هناك في مساحات «الرزق» الجميل. الجميل جداً أن يكون هذا الرزق في أجمل البقاع وفي أرض مكة التي مشى على أرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاش فيها من أجل كلمة الإسلام والتوحيد، وعانى الكثير من أجل أن يصمد على الحق ويبلغ شهادة «أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله»، إلى أن دخلها فاتحاً بلا سلاح، فجاء نصر الله تعالى بأخلاقه القويمة وبرقي تعامله.
خطوات أولى تبدأ نحو أجمل البقاع وأجمل رحلة في الحياة، ومن أجمل الرحلات التي يمكن أن ينعم فيها المرء بالراحة والطمأنينة والسكينة، وبالظفر بالرقي في الدارين. رقي الدنيا براحة البال والتطهير من أدران الحياة والبعد عن صخب الأيام ومشكلاتها المُزعجة، ورقي الآخرة بالظفر بالفردوس الأعلى بإذن الله تعالى، والتطهير من الذنوب والآثام والعودة «كيوم ولدته أمه» صافياً من كل شيء. هنيئاً لمن اختاره المولى الكريم ليكون في «أجمل الرحلات» وليكون في ضيافة الرحمن، هذه الضيافة التي لها تأثيراً كبيراً في نفس كل حاج، سيحج إلى بيت الله الحرام، فقد اصطفاه الله تعالى من كل البشر ليكون في وفادته، وليحظى ويتنعم بالخير وبالأجور العميمة والخصال الجميلة التي سيفوز بها الحاج أثناء الوفادة، وبعد أن يُنهي المناسك ويعود إلى بلاده باسماً مُطمئناً كيوم ولدته أمه. ورد في الحديث الشريف: «الحُجاج والعمّار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم».
خطوات يستشعرها من سيفوز بوفادة الرحمن وبدأت خطواته الأولى في أجمل الرحلات. هي رحلة ليس كمثل بقية الرحلات يؤدي فيها المسلم زيارات وأعمالاً معينة، بقدر ما هي «مشاعر» يتلذذ بها في كل منسك، وقطرات من الدمع يسكبها ليطهر نفسه من أدران الحياة. خطوات يُعلن فيها الحاج التوحيد الخالص للملك الديان، وإجابة دعوته مرة تلو الأخرى «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك». خطوات يستشعر فيها الحاج الانطلاقة الأولى لنداء التوحيد العامر بالخير ومحبة الله سبحانه وتعالى. «وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم». ويُلبي فيها نداء سيدنا إبراهيم الذي استجاب لنداء ربه في صحراء خاوية، فوصلت دعوته أثراً بعد أثر لأجيال متعاقبة، وأثر ممتد مازال يرن صداه في الكون: «وأذن في الناس بالحج بأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق». إنه نداء العبودية لحج البيت الذي استجاب لبنائه سيدنا إبراهيم عليه السلام. وذُكر: يا رب، وكيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟ فقيل: ناد وعلينا البلاغ. فهكذا مشت خطوات الخير، واختارك المولى الكريم اليوم لتكون أنت في وفادته، فكيف يا ترى ستقضي أجمل اللحظات في أجمل الأماكن وأجمل الرحلات؟
من هنا عليك أن تكون مُستشعراً في أجمل خطواتك. ليكن شعارك «كيوم ولدته أمه» حتى تستشعر بأنك مقبل على ميلاد جديد في حياتك تنفض فيه غبار الكسل والذنوب والتقصير، وتبدأ في استشعار لحظات جميلة مُهيبة في حكاية جديدة تكتب ملامحها هناك في أجمل الأماكن. تكتبها بلبس الإحرام ونية الحج والتلبية الخالصة التي تسمع بها الكون كله «لبيك اللهم لبيك». ثم تستشعر مهابة البيت العتيق عندما تقع عيناك عليه «اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً». وتبدأ بالطواف وتستشعر طواف الملائكة بالبيت المعمور، ثم تُصلي ركعتين تستذكر فيها سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل. ثم تشرب ماء زمزم وتدعو بالعافية. ثم تستذكر هاجر وكيف تُركت في أرض قاحلة وسعت لتبحث عن قطرة ماء، في خطوات السعي بين الصفا والمروة.
وعندما تحين لحظات أشواق يوم عرفة الذي تقشعر منه الأبدان، فأنت قبلها تتهيأ لهذا اليوم العظيم «فالحج عرفة»، وتتهيأ ليوم وحيد ينزل فيه المولى الكريم للسماء الدنيا ويُباهي بأهل عرفات أهل السماء، فيقول: انظروا عبادي جاؤوني شُعثاً غُبراً. ما أجملها من أشواق لأعظم يوم في العام يدنو فيه المولى الكريم من عباده الذين جاؤوا من كل فج عميق في يوم عرفة «إنه ليدني، ثم يُباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء». أشواق لا تنتهي.. وحتى تتلذذ بها يا من كُرّمت ضيافة الرحمن، كُن مستشعراً في كل كل خطواتك، مُتلذذاً بعبادتك، مُتهيئاً ليوم عرفة بختمة للقرآن، وبالذكر والدعاء، والانشغال بالنفس فقط، فأنت من اخترت لتكون في وفادته.
ومضة أمل
اللهم وفق حجاج بيتك الحرام في حجهم، ويسّر لهم أداء مناسكهم.