كل عام وجميع أمة محمد بألف خير وسعادة وأمان، وفي ثاني أيام عيد الأضحى المبارك أكتب إليكم عن يوم عرفة الذي ينـزل الله تعالى فيه إلى السماء الدنيا، فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول: انظروا إلى عبادي، جاؤوني شعثاً غبراً ضاحين، جاؤوا من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ولم يروا عقابي، فلم يُرَ يوماً أكثر عتقاً من النار، من يوم عرفة.

ورغم سعادتنا العظيمة ورجائنا في الله بالمغفرة وتقبل الأعمال الصالحة، فإن إخوة لنا في غزة العربية يمر عليهم ثاني عيد بدون فرح ولا سعادة، وثاني عيد لا يجدون فيه مأكلاً ولا مشرباً ولا أماناً ولا أملاً في مستقبل، فها هم يعيشون أصعب اللحظات في أحب أيام الله إليه، ينتظرون الموت بين لحظة وأخرى، أو سماع خبر قريب أو عزيز استشهد.

كلما تمر علي لحظة فرحة وأتذكر أهل غزة، أشعر بغصة في حلقي وكأني لا أستطيع تنفس تلك الفرحة وتمريرها إلى صدري ومنه إلى قلبي، فكيف لي أن أفرح وأنا أرى هؤلاء الأطفال والأمهات لا يجدون مأوى أو ملبساً يسترهم ويسمعون التفجيرات بديلاً عن التكبيرات.

إخوتي الأعزاء، لا أريد أن أعكر أمزجتكم بمقالي هذا، ولكن الأفكار قد سيطرت على عقلي وأرسلت الأوامر لأصابعي ألا أتحدث في هذا اليوم سوى عن هؤلاء الثكلى، ووالله لو قدر الله لي أن أراهم وألتقي بهم لكان أول ما سأفعله هو تقبيل أياديهم وطلب العفو منهم.

لا أشك لحظة في أن حجاج بيت الله الحرام الذين وقفوا على جبل عرفة قبل يومين قد لهجوا بالدعاء لأهل غزة، بل إننا في كل صلاة ومناسبة دعاء لا نتوقف قبل أن ندعو لهم، وكلنا رجاء عظيم وثقة لا متناهية في الله عز وجل بأنه القادر على كل شيء، وله الأمر من قبل ومن بعد.

إخواني الأعزاء، في هذه الأيام المباركة أدعو الله تعالى أن يحفظ بلدنا وأهلنا من كل سوء وأن يديم الله علينا هذه النعمة الكبيرة، فلولا ما رأينا في غزة لما عرفنا قيمة وقدر نعمة الأمن والاستقرار، فاشكروا الله كثيراً وكبروه وسبحوه واحمدوه على ذلك، فبينما نحن بين أبنائنا وأهلينا نفرح بالعيد، هناك آخرون لم يجدوا من أقاربهم أحداً ليقولوا لهم كل عام وأنتم بخير، والله إن لمة الأهل والشعور بالأمان لأمر عظيم لو تعلمون.

* قبطان - رئيس تحرير جريدة «ديلي تربيون» الإنجليزية