جاء في ميثاق العمل الوطني 2001م: «قبل انبثاق فجر الرسالة الإسلامية كانت البحرين تحتضن بحرية تعدد الأفكار والمعتقدات على أرضها في نموذج نادر المثال في تلك العصور. وفي ظل هذا التسامح الروحي والفكري ازدهرت الثقافة وتعايشت الأديان..». البحرين، إحدى دول الخليج العربيّ الرائدة، تتمتع بتاريخ عريق من التعددية الدينية والثقافية منذ قبل انتشار الإسلام في المنطقة.

الإنسان ابن بيئته: قد حبا الله تعالى إقليم البحرين ببيئةٍ متنوعة وموقع جغرافيّ متميّز وعوامل طوبغرافية مؤثّرة حيث سعة مساحة إقليم البحرين وتنوّع التضاريس، وترتب على ذلك تنوّع الأنشطة الاقتصادية، فمارس أهل البحرين مختلف النشاطات بيد أنّ المهنة الأهم والتي ارتبطت بسواحل البحرين الممتدة على طول السواحل الغربية للخليج العربيّ كانت الملاحة والتجارة البحرية، وممّا زاد من أهمية هذه المهنة وتأثيرها توسّط البحرين وقربها ومجاورتها لبلدان ومجتمعات متعدّدة الثقافات، إنّ التميز الجغرافي للبحرين وتنوع المهن والحرف فيها، كان له أثر في حدوث احتكاك وتفاعل حضاري وثقافي بين سكان البحرين وأبناء المجتمعات والحضارات القريبة والمجاورة، بل أضحت البحرين ملتقى ثقافات وحضارات متعددة، وترجم ذلك ببزوغ ثقافة وحضارة خاصّة في البحرين، وأضفى ذلك على سكان البحرين تميزاً اجتماعياً يصاحبه سعة اطلاع وعمقاً معرفياً، من هنا نجد أنّ الشخصية البحرينية متميزة من حيث استقلاليتها وقوة تأثيرها واتسامها بسلوك وسمات أخلاقية متميزة حيث شاع بين أبنائها سلوكاً حضارياً راقياً، وعُرفوا وعلى مدار التاريخ بالتسامح والانفتاح وحبهم للسلام وميلهم للتعايش وقبول الآخر.

ديانات متعددة: نظراً لما سبق، عرف أهل البحرين منذ أقدم العصور ديانات متعددة منها سماوية وأخرى غير ذلك، وتعايش أتباعها بتناغم وتسامح فيما بينهم، حيث كانت البحرين على مدار تاريخها نموذجاً للتعايش السلمي والتسامح بين مختلف المعتقدات ومن بينها اليهودية حيث وردت في الرسائل المتبادلة بين الرسول ﷺ والمنذر بن ساوى، وقد وصل بعضهم من مختلف المناطق عبر التجارة، واستقر البعض الآخر نتيجة لأعمالهم في المدن الساحلية. وبرز منهم بعض التجار مثل ابن يامن الذي امتلك العديد من السفن والبساتين في هجر. وبعد انتشار الإسلام في البلاد، استمر وجودهم المحدود ضمن رعايا الدولة ووافقوا على دفع الجزية للمسلمين، وركّزوا أعمالهم على مجالات محددة كالتجارة والزراعة، كذلك وجدت النصرانية التي انتقلت إلى البحرين من الحيرة بفعل الترابط الاجتماعي والتعامل التجاري، حيث اعتنقها بعض أبناء قبائل ربيعة كبني بكر وتغلب وعبد القيس، وبنو تميم، وكان من زعماء البحرين النصارى الجارود بن عمرو الذي اعتنق الإسلام، وبقي بعض النصارى في البحرين بعد انتشار الإسلام ودفعوا الجزية وتمتعوا بحقوقهم الكاملة كمواطنين.

التعايش والتسامح.. تاريخ وامتداد: إنّ تاريخ البحرين العريق يشهد على مدى انفتاحها وتسامحها مع الآخر منذ القدم، حيث كانت البحرين موطناً لمختلف الديانات التي عاشت بسلام وتعايش فيما بينها، إنّ سعة اطلاع ومعرفة أهل البحرين بالديانات وشيوع ثقافة قبول الآخر بينهم هيأتهم وساعدتهم على الاستجابة لدعوة النبي ﷺ ودخولهم في الإسلام بسلاسة وبسلام وقبول تام، وها هي مملكة البحرين اليوم تواصل مسيرة التعايش والتسامح في عهد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه من خلال مبادرات رائدة وتنظيم اتفاقيات وعقد معاهدات سلام تعزّز التعايش والحوار بين الثقافات والأديان المختلفة، حيث أنشأ مركز الملك حمد للتعايش السلم 2018م والذي يعمل على حمل رسالة السلام البحرينية للعالم أجمع ونشر قيم التعايش والتسامح بين مختلف الثقافات والأديان. ومركز الملك حمد العالمي للحوار بين الأديان والتعايش السلمي، وتخصيص كرسي الملك حمد للحوار بين الأديان والتعايش السلمي، وحوار الحضارات والثقافات، وملتقى البحرين للحوار، وحوار المنامة، وما دعوة جلالة الملك المعظم في خطابه أثناء مؤتمر قمة البحرين لعقد مؤتمر للسلام الدولي في الشرق الأوسط والإشادة العربية والدولية التي حظي بها إلا دليل على ريادة البحرين في نهجها سياسة السلام والتعايش، وغيرها الكثير ممّا يضاف لسلسلة الإنجازات المشرّفة والنجاحات البارزة، مؤكّدةً على أنّ التسامح والانفتاح هما جوهر الهوية البحرينية ومرسّخة ما تحظى به البحرين من ثقلٍ في محيطها الإقليميّ والدوليّ.

* باحث في التاريخ وأكاديمي