أفزعني ما حصل في السلطنة، عُمان تلك الأرض التي لطالما عُرفت بتسامحها وانفتاحها، تعيش اليوم صدمة غير مسبوقة جراء حادثة إطلاق النار في أحد المساجد في مسقط، والتي سقط فيها عدد من الضحايا ورجل أمن، إضافة إلى المهاجمين، هذه الحادثة المتطرفة صادمة طبعاً، والذي زاد من حدة صدمتها هو حدوثها في سلطنة عمان المعروفة بالحب والوئام؛ فهذا الحادث ليس مجرد جريمة عادية، بل هو إنذار خطير يُظهر كيف يمكن للفكر المتطرف أن يتسلل حتى إلى أكثر المجتمعات تسامحاً، وهذه الجريمة البشعة تعيد إلى الأذهان مخاطر الفكر المتطرف الذي لا يعرف حدوداً ولا يفرق بين دين أو جنسية.

سلطنة عمان بموقعها الجغرافي وتاريخها العريق، ظلت على مر السنين نموذجاً يحتذى في التعايش السلمي والتسامح الديني، فمن النادر جداً أن نسمع عن حوادث تطرف في هذا البلد الذي يحترم جميع الأديان والمذاهب، ولكن هذه الحادثة الأخيرة في المسجد تأتي كجرس إنذار، وتحذر من أن خطر التطرف يمكن أن يضرب في أي مكان، حتى في أكثر البقاع تسامحاً.

حوادث التطرف والهجمات الإرهابية ليست مجرد جرائم عادية، بل هي تعبير صارخ عن الفكر المتطرف الذي ينمو في الظلام، متغذياً على الكراهية والتحريض؛ فالمتطرف الذي أطلق النار في المسجد بمسقط لم يختلف كثيراً في دوافعه عن ذلك الذي حاول اغتيال ترامب، والذي يقتل حسب الهوية ويعدم ويشنق حسب الهوية، فجميعهم ينطلق من قناعات متشددة، ويرى في العنف وسيلة مشروعة لتحقيق أهدافه، وأن من يخالفه في الفكر والدين يستحق القتل والإقصاء.

فالفكر المتطرف لا يميز بين الأديان أو الجماعات أو الثقافات، فهو كالسرطان ينخر في جسد المجتمع، ليهدد استقراره وأمنه، وهذا الفكر المتطرف الذي لا يمكن لصقه بأي مذهب من الممكن أن ينمو في أي بيئة تتوافر فيها شروط التعصب والكراهية، فالأمر ليس مقتصراً على مجتمع دون آخر، بل هو مشكلة عالمية تتطلب تعاوناً دولياً لمكافحتها، وطرق مكافحتها لا تعني فرض الأمن وزيادة الاحتياطات الأمنية، بل الحديث عن الحلول الفكرية، فمحاربة فكر لا تنجح إلا من خلال فكر مضاد يمثل الاعتدال والوسطية.

في حالة محاولة اغتيال ترامب، كان الدافع سياسياً بحتاً، حيث استهدف المتطرف الرئيس السابق بسبب خلافات سياسية وأيديولوجية، أما في حادثة مسقط فقد كان الدافع دينياً، حيث استهدف المتطرف تجمعاً دينياً مختلفاً عنه في العقيدة بحسب رأيه، وفي كلا الحالتين يكمن الجذر في التطرف الذي يرى في الآخر عدواً يجب القضاء عليه.

إن المجتمع الدولي مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بالتكاتف لمواجهة هذا الخطر الداهم، كما يجب أن تتضافر الجهود لتعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي بين مختلف الأديان والثقافات؛ فالتطرف لا يولد من فراغ، بل ينمو في بيئات تتسم بالتعصب وانعدام الحوار، ولذلك ينبغي على الحكومات أن تتبنى سياسات تعليمية واجتماعية تعزز من قيم التسامح والانفتاح، كما يجب على وسائل الإعلام أن تلعب دوراً مسؤولاً في نشر الوعي بمخاطر الفكر المتطرف، والابتعاد عن التحريض والكراهية؛ فالإعلام له دور كبير في تشكيل وعي الجماهير، ويمكن أن يكون سلاحاً فعالاً في مكافحة التطرف. هذه الحادثة المؤلمة تدق ناقوس الخطر كي نعي جميعاً أن خطر الفكر المتطرف لم يمت ولم يختف، بل هو يكبر في الأماكن المظلمة، وهو لا يهدد مجتمعاً بعينه، بل هو تهديد عالمي يتطلب منا جميعاً التعاون والتكاتف لمواجهته، فعلينا أن نبني جسور الحوار والتفاهم بين مختلف الثقافات والأديان، وأن نعمل معاً من أجل عالم يسوده السلام والتسامح؛ فعمان الحبيبة كانت ولا تزال رمزاً للتسامح الوئام، وستظل كذلك مهما كانت التحديات، ودعاؤنا لهم بالأمن والاستقرار وأن يحفظ الله عمان قيادة وحكومة وشعباً.