كل القوى الدولية قبل أن تنطلق للعالمية، اهتمت بمشروعها الإصلاحي الداخلي، ثم انطلقت بعد ذلك للخارج، هكذا فعلت أمريكا بعد الأزمة الاقتصادية في الثلاثينات وكذلك روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في التسعينات وأيضاً الصين التي سارت على الدرب نفسه حتى أضحت عملاقاً اقتصادياً عالمياً، ولم تكن انطلاقة مملكة البحرين بعيدة عن هذا النهج، فبعد تدشين مشروعها الإصلاحي النهضوي الشامل انطلقت نحو العالمية، وتميزت انطلاقة البحرين بأنها كانت شاملة في كل المجالات، وأنها لم تكن ساعية للتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة أو الاعتداء عليها، إنما كانت انطلاقة هدفها خير البشرية والتعاون ونشر السلام والتسامح بين كل الشعوب وهذه هي الأدلة.

على المستوى السياسي العربي يتولى حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه رئاسة القمة العربية «قمة البحرين» التي عُقدت على أرض البحرين في 16 مايو الماضي، ونالت تقدير جميع قادة الدول وزعمائها بسبب الإدارة الحكيمة والرشيدة لكافة أعمالها ودقة التنظيم والحفاظ على أمن كل الحضور على أرض مملكة البحرين لكي يناقشوا القضايا العربية، ويسعوا لنشر السلام بين كل دول المنطقة وإيجاد حل شامل للقضية الفلسطينية وخروج القمة بصدور إعلان البحرين الذي طالب بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة فوراً.

كما قام العمل الدبلوماسي البحريني خلال السنوات السابقة بدور فاعل في كل القمم السابقة، وفي أعمال مؤسسات الجامعة العربية المختلفة تلبيةً لتطلعات الأمة العربية ومصالحها وتعزيز التضامن العربي، وكذلك عبر مشاركة الكفاءات البحرينية في العمل العربي في كل مجالاته من خلال تولي البحرين منصب الأمين العام المساعد للجامعة العربية ورئاسة قطاع الشؤون العربية والأمن القومي بالجامعة، إضافة لتولي البحرين منصب رئاسة البرلمان العربي وعضوية ثلاثة من أعضاء مجلس النواب والشورى البحريني في البرلمان العربي وقيام البحرين بدور بارز في كل هذه الملفات.

على مستوى المنظمات الدولية، فلا يخفى على أحد الدور الكبير الذي قامت به مملكة البحرين عندما شغلت سعادة السفيرة الشيخة هيا بنت راشد آل خليفة منصب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحادية والستين، هذا بجانب الجهود الكبيرة التي بذلها الطاقم الدبلوماسي البحريني أثناء حصول مملكة البحرين على مقعد غير دائم في مجلس الأمن خلال الفترة من 1998 إلى عام 1999 والذي تبعه مباشرة عضوية مملكة البحرين في المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة في الفترة من عام 2000 إلى 2003.
يُضاف إلى هذا الملف السياسي الملف الاقتصادي الذي أكد انفتاح البحرين اقتصادياً على العالم ودوله الكبرى من خلال الشراكات وعقد الاتفاقيات سواء مع الولايات المتحدة وبريطانيا أو روسيا والصين أو غيرها من القوى الدولية والإقليمية.

على المستوى الاستراتيجي يبرز «حوار المنامة» باعتباره آلية دولية مهمة تقودها مملكة البحرين لتقريب وجهات النظر بين كل الأطراف لمنع الصدام والحروب الإقليمية والعالمية والعمل على إحلال السلام والتفاهم الدولي وإنقاذ كوكب الأرض من الحروب والصدامات، هذه الفعالية التي يحضرها قادة العالم والقوى الكبرى على المستويين الدولي والإقليمي الذين يلتقون على أرض المنامة يناقشون ويتحاورون بشأن القضايا السياسية والأمنية والعسكرية والأوضاع الدولية ومناطق النزاع والصراع في العالم.

تؤكد هذه المعطيات -بما لا يدع مجالاً للشك- دور البحرين الفاعل سياسياً واستراتيجياً في الإطارين الإقليمي والدولي عبر قيادتها الرشيدة والكفاءات الوطنية البحرينية، لكن أهم ما يميّز هذا الدور السياسي والاقتصادي والاستراتيجي أنه دور يقوم على العدالة والثوابت الراسخة التي تستهدف السلام لكل البشر والتسامح والحوار وخدمة الإنسانية والبُعد عن الصراعات والحروب والاعتداء على الآخرين أو التدخل في شؤونهم. في الجزء الثاني من هذا المقال نرصد انطلاقة البحرين المميّزة نحو العالمية في المجال الإنساني والرياضي والثقافي أيضاً، وللحديث بقية.

* كاتب وأكاديمي بحريني