وفقاً لتقرير صادر من شركة الاستشارات العالميّة «ماكينزي آند كومباني»؛ فمن المتوقّع أنّ الذكاء الاصطناعيّ (AI) سيعزّز الاقتصاد العالميّ بمقدار 13 تريليون دولار بحلول عام 2030، مما يضيف حوالي 1.2% إلى النّاتج المحلي الإجمالي العالمي سنوياً. وبالمثل، توقّعت الجمعيّة الدوليّة لشبكات الهاتف المحمول (GSMA) أن يؤدّي نشر تكنولوجيا الجيل الخامس (G5) إلى تحقيق إيرادات بقيمة 1.3 تريليون دولار بحلول عام 2035. في الوقت نفسه، يفترض باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) أنّ قدرة الحواسيب الكموميّة (Quantum) على حلّ مسائل معقّدة ستتجاوز قدرات الحواسيب الكلاسيكيّة بأضعاف مضاعفة؛ ممّا سيغيّر قواعد اللعبة الّتي تَحكُم تطوير التقنيّات القائمة على هذه الحواسيب؛ كلّ هذه المؤشّرات وغيرها تدلّ على الزيادة المضطردة للاستثمار العالميّ في التكنولوجيّات الناشئة، الأمر الّذي يُحتّم علينا والأجيال القادمة التزوّد بالأدوات والمعرفة والعقليّة اللازمة لمواكبة هذا المشهد الديناميكيّ.

تتمثّل الخطوة الأولى للاستعداد لهذه التطوّرات في تبنّي التعلّم مدى الحياة، فالنموذج التقليديّ بحيث ينتهي التعلّم عند التعليم الجامعيّ أو الرسميّ؛ لم يعد كافياً. يجب علينا تعزيز ثقافة التعلّم المستمرّ والمستدام، يشمل ذلك البقاء على اطّلاع على أحدث الاتّجاهات التكنولوجيّة وفهم آثارها واكتساب المعارف والمهارات ذات الصلة بها. كما أنّ تشجيع الفضول والشغف بالتعلّم، في أنفسنا وفي الأجيال القادمة؛ سيضمن لنا أن نظلّ قادرين على التكيّف والمرونة في مواجهة التغيّرات والتطوّرات المتسارعة.

كذلك يحمل عالم الميتافيرس فرصاً واعدة تعدّ بإحداث ثورة في كيفيّة تفاعلنا مع هذا المشهد، ولإرساء أساس متين للابتكار المستقبليّ؛ نحتاج إلى تطوير المعرفة الرقميّة منذ سنّ مبكّرة مثل الإلمام بالمهارات المتعلّقة بالبيئات الافتراضيّة والأدوات الرقميّة ومنصّات التواصل عبر الإنترنت والمخاطر السيبرانيّة. لا شكّ أنّ إتاحة الفرص للتفاعل مع التحدّيات التكنولوجيّة في العالم الحقيقيّ، بالإضافة إلى توفير إمكانيّة الوصول إلى أحدث الأدوات والموارد، مثل مختبرات الواقع الافتراضيّ ومنصّات تطوير الذكاء الاصطناعيّ؛ سيتيح للأجيال القادمة استكشاف التقنيّات الناشئة وتجربتها. كما يمكن للمشاريع التعاونيّة الّتي تحاكي بيئات العالم الحقيقيّ أن تساعد على تطوير مهارات العمل الجماعيّ والتواصل، وهي مهارات ضروريّة ولا بدّ منها في أماكن العمل في المستقبل.

من شأن تعزيز العقليّة الّتي تتبنّى التجريب والمحاولة؛ أن تحفّز الإبداع والابتكار، وتساهم في تنمية التفكير الناقد والقدرة على حلّ المشكلات المعقّدة، ويمكن تحقيق هذه الأهداف من خلال استخدام التعلّم التجريبيّ والمشاركة في مسابقات الهاكاثون والاستفادة من مختبرات الابتكار والمبدعين المجهّزة بالأدوات والموارد اللازمة لدعم مراحل التفكير والنماذج الأوّليّة. تغذّي هذه البيئات الإبداع، وتعزّز من روح ريادة الأعمال، وتهيّئ الأفراد للتنقّل والازدهار في أيّ مشهد تكنولوجيّ دائم التطوّر.

سيكون فهم الذكاء الاصطناعيّ وتطبيقاته أمراً بالغ الأهمّيّة لتحقيق الفائدة المرجوّة. هذا لا يعني أنّ الجميع بحاجة إلى أن يصبحوا خبراء في الذكاء الاصطناعيّ، ولكن من المهمّ أن يكون لديهم فهم أساسيّ لكيفيّة عمل الذكاء الاصطناعيّ وفوائده واعتباراته الأخلاقيّة، وذلك من خلال البرامج التوعويّة والتدريبيّة الّتي تساعد الأفراد للانتقال إلى الأدوار الجديدة الّتي سيخلقها الذكاء الاصطناعيّ، مع التركيز على المهارات الّتي تنفرد بها البشريّة، مثل التعاطف والإبداع واتّخاذ القرارات المعقّدة.

في خضمّ هذا المشهد المتغيّر باستمرار بالتكنولوجيّات الواعدة والناشئة، من الأهمّيّة بمكان السعي لتمكين أنفسنا والأجيال القادمة ليس فقط من مواكبة وتيرة التقدّم التكنولوجيّ وتوقّع التحدّيات والفرص الّتي تنتظرنا، ولكن أيضاً لدفع الابتكار وخلق مستقبل أفضل وأكثر شمولاً للجميع. من خلال العمل معاً - مؤسّسات وأفراداً على حدٍّ سواء – والتصميم والعقليّة الاستباقيّة؛ يمكننا تحويل المستقبل إلى فرص للازدهار وواقع مليء بالإمكانيّات الهائلة.