قبل أيام قليلة وتحديداً يوم الاثنين قبل الماضي والذي تم وصفه بالاثنين الأسود، شهدت بورصات العالم نزيفاً غير طبيعي في تعاملاتها ليوم واحد واعتبرها الخبراء نسخة من انهيارات أعوام 1987 و1998 والأزمة المالية في عام 2008.

ولو أن ما حدث يعتبر النسخة الأقل خسائر من الانهيارات المذكورة، إلا أن الملاحظ في ذلك اليوم هو أنه ارتبط ببيانات التوظيف الأمريكية والتي أشارت لارتفاع البطالة بمعدل 4.3% لشهر يوليو الماضي، وما يعنيه ذلك من احتمال تراجع واشنطن عن سياستها النقدية المتشددة بخفض أسعار الفائدة.

لكن الأمر الأكثر بروزاً في هذا الحدث هو الخسائر الكبيرة لشركات التكنولوجيا، والمبيعات الهائلة التي حدثت للتخلص من أصولها باعتبارها غير آمنة، بل إن بورصة «ناسداك» التي تعتبر أول بورصة إلكترونية تسمح للمستثمرين بالشراء والبيع عبر نظام إلكتروني، كانت الأفدح من حيث الخسائر ما بين أسواق المال، وتم رصد خسائر لشركات التكنولوجيا بحوالي تريليون دولار.

شركة إنفيديا التي حققت قبل أسابيع أرقاماً قياسية في قيمة أسهمها، كانت أكبر الخاسرين بما جاوز 300 مليار دولار من قيمتها السوقية، ويعتقد البعض أن المتسبب الرئيسي في ذلك هو صاحبها الذي باع كميات كبيرة من أسهمه الخاصة قبل الانهيار بساعات، فيما قاد وارن بافيت عبر شركة بيركشير هاثاوي، الأثر المتبقي من الأزمة عندما باع نصف أسهمه في آبل وقام بتحويلها إلى كاش.

ولم تكن بورصات الخليج العربي ببعيدة عن هذه المؤثرات، إلا أنها كانت في أبعد نقطة من مركز الزلزال، فقد تلقت الضربة بصورة متوسطة، ثم استعادت عافيتها بأسرع وقت ممكن، وفي اعتقادي أن السبب يرجع إلى نوعية الأصول والاستثمارات الخليجية بالمقارنة مع الشركات الأكبر خسارة في ذاك اليوم.

فلقد كان السبب الرئيس في هذا الانهيار هو شركات التكنولوجيا وأصحاب مواقع التواصل الاجتماعي مثل ميتا وX وأمازون وشركات التقنيات السحابية الأخرى، وأيضا بسبب انحسار الحديث عن الذكاء الاصطناعي، وتباطؤ التطور التكنولوجي، فلا جديد تحت الشمس حالياً يمكن أن يجذب عملاء لشراء الأصول غير الملموسة.

ويبقى السر في صمود بورصات الخليج أنها تعتمد على أصول حقيقية ملموسة يحتاجها العالم دون تردد أو تفكير، وهي النفط والغاز والتعدين بشكل عام، لذلك نستطيع القول بأنها نجت من الانهيار بوجود بنية أساس قوية ومتينة.

هذا فضلاً عما تشهده المنطقة من ارتفاع أصوات طبول الحرب العالمية الثالثة والتوترات الكبيرة، وهو ما قد يؤثر على بورصات العالم بالسالب، إلا أنه سيكون ذا تأثير إيجابي – ولو أننا لا نرغبه – على أسعار المعادن وفي مقدمتها النفط والغاز.

مجمل الأمر هو أن العالم الافتراضي والتكنولوجيا غير المحسوسة وفضاء الإنترنت، كلها أمور ممتازة، لكنها قد تنهار في أي لحظة وتختفي، ويبقى للبشر الأصول الحقيقية لتعود إلى الصدارة وتأخذ مكانتها المستقرة بهدوء.