كثيرة كانت القضايا المصيرية التي توقف عندها قادة القمة الخليجية 33 واتخذوا بشأنها «قرارات استراتيجية من شأنها أن تعزز التكامل الدفاعي، والاندماج الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي، أهمها كان إنشاء قيادة عسكرية موحدة تكون مظلة لقيادة قوات درع الجزيرة والوحدات الجوية والبحرية»، بجانب المصادقة على الاتفاقية الأمنية، والتوجيه بتسريع وتنفيذ كل الاتفاقيات المتعلقة بالتكامل الاقتصادي ووضع آليات وأطر زمنية محددة والالتزام بتنفيذها في الوقت. وجميعها مهمة وليس هناك من جدل حول ضرورة التركيز عليها.
لكن كانت هناك، من بين قضايا أخرى كثيرة مسائل لا تقل إلحاحاً عن تلك، مثل القضية الشبابية؛ حيث «وجه المجلس بإجراء دراسة شاملة للتعرف على البرامج المنفذة في مختلف الأنشطة الشبابية في دول المجلس، وقضايا الأسرة والطفولة وعقد ندوة شاملة بهذا الشأن. وشمل أيضاً الجوانب التي تتعلق بالشباب ودراسة البرامج الشبابية وتقويمها بما يتواكب مع المرحلة». وتشد المتابع مسألتان وردتا في تلك الفقرة؛ الأولى هي الأنشطة الشبابية، والثانية هي المواكبة للمرحلة، وهما قضيتان متكاملتان وتستحقان الاهتمام من قبل القادة الخليجيين لعدة أسباب من بين الأهم فيها؛ أن المجتمع العربي، ومن بينه المجتمع الخليجي، يصنف في فئات الأمم الشابة التي يشكل الشباب نسبة عالية من بين سكانها، ومن ثم فالالتفات للشباب يعني الاهتمام بمشكلات تلك النسبة العالية من مكونات المجتمع. أهم من ذلك أن الشباب، بخلاف الفئات الاجتماعية الأخرى، هم شعلة الحاضر ووقود المستقبل، ومن ثم فالاهتمام بهم يعني فيما يعني ترسيخ ذلك الحاضر، وتعزيز أركانه، والاستعداد للمستقبل، والتهيؤ لمتطلباته.
ومن جانب آخر، يأتي التأكيد على ضرورة أن يتواكب الاهتمام مع المرحلة التي يعيشها هؤلاء الشباب، فيه الكثير من الوعي بتميز هذه المرحلة عن سواها من المراحل التاريخية التي تمر بها المجتمعات العالمية، ومن ضمنها المجتمع الخليجي.
في ضوء كل ذلك نجد أمامنا مدخلان للقضية الشبابية، الأول منهما هو ذلك التقليدي، ومن الخطأ التقليل من أهميته، بل وحتى جدواه، وهو الذي يحصر نفسه في تأمين الرعاية الصحية، والاحتضان الاجتماعي، والتشجيع الاقتصادي، وفي السياق ذاته إتاحة الفرصة أمام الشباب، من أجل إبراز مهاراتهم الجسمانية والذهنية. مثل هذا الاهتمام التقليدي، كما ذكرنا رغم أهميته وضرورته، لكنه لا يستطيع مواكبة المرحلة الراهنة التي تلبي احتياجات هذا الجيل من الشباب، وذلك للأسباب التالية:
1. إن المسألة الشبابية اليومية، أكثر من سواها من قضايا التنمية، لم تعد ساحاتها محلية أو إقليمية، بل اتسع نطاقها كي يصل إلى المستوى الدولي، بفضل ثورة الاتصالات والمعلومات، ومن ثم فينبغي أن توضع مقاييس الاهتمام، ومعايير المواكبة، على أسس دولية وليست قطرية او إقليمية، نظراً لكون أسواق المنافسة هي الأخرى باتت عالمية، سواء من طرف المزود، أو من جهة المستهلك. فالشباب الخليجي اليومي مطالب، كي يملك مقومات «مواكبة المرحلة»، أن يخضع نفسه لمقاييسها الدوولية، ومن ثم فالحكومات الخليجية، إن هي أرادت تأهيل شبابها، أن تراعي هي الأخرى مقاييس تلك المتطلبات.
2. أنه في صفوف الفئات الشابة، هناك مستويين متميزين من الإحتياجات، تلك التي تتطلبها الغالبية العظمى من الشباب، وأخرى تلك التي تفرضها النسبة الطليعية منهم، والتي يمكن أن نصفها بفئة الرواد «Entrepreneur». ولهذه الأخيرة قيمها الخاصة عندما يتعلق الأمر بمساهماتها في الاقتصاد الوطني بشكل عام، وفي قطاع التطوير والتنمية على نحو خاص، ومن ثم قدرتها على المنافسة في الأسواق العالمية، إن جاز لنا القول.
وقد خطى الشباب الخليجي خطوات واسعة وملموسة على طريق التأهيل الذاتي المتناغم مع تلك المعايير التي تخاطب الفئة الطليعية من بين صفوفهم.
ففي البحرين على سبيل المثال استضاف الرواد من الشباب البحريني، كما تناقلت وسائل الإعلام المحلية، في 14 نوفمبر 2011، عشاء التعارف غير الرسمي الذي أقامته «منظمة القيادات العربية الشابة كأولى فعاليات أسبوع رواد الأعمال العالمي 2011، تحت عنوان (عشاء الإرشاد) أتيحت خلاله الفرصة لستين بحرينياً من رواد الأعمال لمقابلة رواد أعمال والتفاعل معهم والاستفادة من خبراتهم وإرشاداتهم». وفي مملكة البحرين أيضاً، هناك «مجلة رواد الأعمال» التي يرعاها بنك البحرين للتنمية، وهي، كما تقول عن نفسها « مبادرة إعلامية من قبل مجموعة دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم وقد أُنشئت بهدف دعم تطوير برامج العمل في هذه المؤسسات».
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، يكفي أن نعرف أن شاب خليجي هو محمد القرقاوي من أسس «مؤسسة القيادات العربية الشابة»، وهي «منظمة مستقلة غير ربحية في مجالي التعليم وريادة الأعمال يقع مقرها في دبي في الإمارات العربية المتحدة. وتقوم المؤسسة بالتنسيق بين القطاع العام وقطاع الأعمال والمجتمع المدني في مجالي عمالها وتنظم منتدى سنوي. وللمؤسسة فروع في عدة 9 دول عربية هي الإمارات والأردن والبحرين والسعودية والكويت وقطر ولبنان وفلسطين ومصر».
ولا بد من التوقف هنا عتد «منتدى رواد الأعمال» الإماراتي الذي يضع نصب عينيه، كما تقول صفحته على الإنترنت «تطوير وتعزيز المشاريع المتوسطة، وتشجيع ودعم المواطنين للمشاركة الفعلية في النمو الاقتصادي بالدولة، بالإضافة إلى توفير التسهيلات لتأسيس المشاريع الصغيرة والمتوسطة» والذي نجح خلال سنوات قليلة من حياته « ان يساهم في تطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال بناء اتفاقيات استراتيجية وانشطة وفعاليات تخدم الغرض ذاته، كما الحصول على عضوية أكثر من 2000 عضو من المشاريع المتوسطة والصغيرة».
وهناك الكثير من رواد الأعمال الخليجيين ممن سارعوا بعد إنشاء جمعياتهم إلى بناء مواقعهم من أمثال «رائد» السعودية http://www.ra2ed.com/Default.aspx)). وفي السعودية أيضا هناك «اللجنة الوطنية لشباب الأعمال» وهي إحدى اللجان الوطنية المنبثقة عن مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية، «وقد تأسست بعد ترشيح الغرف التجارية الصناعية في عدد من مدن المملكة لبعض شباب الأعمال للانضمام إليها، والذين قاموا بدورهم في وضع رؤية وأهداف واستراتيجيات لخدمة قطاع شباب الأعمال في المملكة العربية السعودية. وتختلف هذه اللجنة عن باقي لجان مجلس الغرف التجارية بعدم استنادها إلى قطاع او مجال عمل محدد، بل إلى الفئة العمرية لأعضائها في المقام الأول (25 -40 عاماً) على اختلاف قطاعات أعمالهم وتعتبر اللجنة هي أول جهة تعبر عن احتياجات وطموحات شباب الأعمال في المملكة العربية السعودية.»
كل ذلك يقود نحو إثبات أن هناك موجة جديدة لحركة شبابية خليجية حيوية، تملك المقومات الأولية، التي في إمكانها متى ما التقت مع ما خرجت به القمة الخليجية 33، أن تشكل رافعة تاريخية قادرة على توفير الأرضية الملائمة لانتقال الخليج، سكانياً، من مجتمع تقليدي، تتصدر أعماله فئات تقليدية إلى ذلك المعرفي الذي نحلم جميعاً بالعيش فيه، والاستمتاع بما يوفره من خدمات، ويتيحه من مجالات تتجاوز التقليدي نوعاً، وتتفوق عليه كماً.