الإخلاص في اللغة: هو مصدر أخلص، وأخلص بمعنى: فعل. ونقول أخلص في العمل: أي تفانى فيه، ومن عاداته أن يخلص في كل عمل يقوم به. يقول المولى عز وجل: «وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين». وقال سبحانه: «فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً». قال المفسرون: «نزلت هذه الآية فيمن يعمل ويحب أن يحمد عليه». وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى..». وروى الإمام مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم». وروى النسائي بسنده عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: «ظن أبي أن له فضلاً على من هو دونه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم». فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما نصر الله عز وجل هذه الأمة بضعافها ودعوتهم وإخلاصهم وصلاتهم». يقول الفضيل بن عياض: «ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما». ويقول الجنيد: «الإخلاص سر بين الله وبين العبد، لا يعلمه ملك فيكتبه، ولا شيطان فيفسده، ولا هوى فيميله».
الحديث عن الإخلاص حديث ذو شجون، وحديث متجدد في حياة الداعية إلى الله تعالى، وبخاصة إذا هو أيقن أنه بعمله وإخلاصه وتفانيه سيكسب رضا الله تعالى، وهو الأهم في مقصوده، كما إنه يحرص أشد الحرص بأن يكون قدوة رائعة في جميع أموره من أجل أن يكسب الصيت الطيب بالتزامه بدينه، يقول سهل التستري: «نظر الأكياس في تفسير الإخلاص فلم يجدوا غير هذا، أن تكون حركاته وسكونه في سره وعلانيته لله تعالى وحده، لا يمازجه شيء، لا نفس ولا هوى ولا دنيا». وقال سليمان: «طوبى لمن صحت له خطوة واحدة لا يريد بها إلا الله تعالى»، لذا فإن جميع خطواتك في مسيرك إلى الله تعالى محسوبة في كل ثواني حياتك، فأزل كل رواسب العيش، وكل فتن الدنيا، وكل وساوس تعكر عليك صفو الإخلاص، فرؤيتك لجميع الأمور احتسبها لله تعالى وحده.
ومن فضل الله تعالى علينا ورحمته أن جعل الإخلاص رحمة بالعبد إن هو أخلص النية وسارع في الخيرات، لأنك بمجرد عزمك وإرادتك لعمل الخير فإن الله تعالى يكتب لك الأجر والمثوبة، فقط نحتاج إلى تصفية القلب وتزكيته وتنقية مسار النيات في كل خطواتنا في الحياة. روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى، قال «إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عز وجل عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة. وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها، كتبها الله سيئة واحدة».
يقول أحد المتخصصين: «إن الإخلاص ثمرة من ثمار التوحيد الكامل الذي هو إفراد الله بالعبادة. ولهذا عد الرياء ـ وهو ضد الإخلاص - من الشرك، قال شداد بن أوس «كنا نعد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرياء من الشرك الأصغر».
فحري بالمسلم أن تكون جميع حركاته وسكناته وجميع خطواته من أجل الله سبحانه وتعالى، فلا يبتغي «إرضاء البشر» فهم في زوال، بل إرضاء رب العالمين والعمل من أجل هدف واحد لا غير «الفوز بالفردوس الأعلى»، فاحذر بأن يكون همك الوحيد «إرضاء البشر» حتى لا تدخل في بوابة «الشرك الأصغر».
واحرص ـ رعاك الله - على تضمين مفاهيم الإخلاص في جميع شؤونك الحياتية، فأخلص عند خروجك من بيتك بأن تبتغي «الخير» في كل خطوة تخطوها، وأن يكون همك رسم ابتسامة أو نشر خير أو مساعدة محتاج أو المشي في حاجة الآخرين.
وأخلص في تلقي العلم بأن تدرس العلم النافع لترتقي بنفسك وبوطنك وتساهم في نصرة دينك.
وأخلص في عملك لتساهم بالرقي بوطنك وفي التخفيف من «ضيق الآخرين ومحنتهم» فليكن همك أن تنجز عملك بكفاءة وإتقان وفي أقل الأوقات، فلا تتماطل في خدمة الزبائن، أو تتأخر في إنجاز أعمالك كما طلبت منك.
وأخلص مع أسرتك بأن تكون بوابة خير لكل الناس، من أجل أن تغرس كل مفاهيم الخير.
وأخلص مع رفقائك الصالحين بأن تنوي معهم نشر الخير في كل البشرية، فلا يكن العطاء الذي تقدمه عطاء مناسبة بعينها، بل عطاء متجدداً وعالمياً في مفهومه ومعناه تبتغي به نشر دين الإسلام والدفاع عنه في كل الأرجاء.
جددوا النيات وأخلصوا في الأعمال لتكسبوا رضا الرب الرحمن.