يعرف الجميع أن الكوميديا الضاحكة أو كوميديا الملهاة هي التي تدخل البهجة والسرور على المشاهد، كذلك هي الكوميديا الساخرة، وهي الكوميديا المتداولة في منطقة الخليج، حيث تنقد بعض الجوانب الاجتماعية بطريقة ساخرة، لكن بروز الكوميديا السوداء ودخولها علينا دفعة واحدة أحدث ربكة أخلت موازيننا، فأصبحنا في حالة من الهلع والخوف.
فهي خليط من الكوميديا والهجاء، تدور حول مواضيع تعتبر عموماً من الأمور المحرم الخوض فيها أو ما يعرف بـ«التابوهات»، بحيث يتم التعاطي مع تلك المواضيع بشكل فكاهي أو ساخر مع الاحتفاظ بجدية الموضوع.
ودائماً ما تتطرق الكوميديا السوداء لمواضيع حول الموت أو الانتحار أو الحرب أو الإرهاب أو العنف أو الجريمة أو المخدرات أو الخيانة الزوجية والعنصرية والجنون إضافة إلى الجنس، وأول ما ظهرت الكوميديا السوداء في الولايات المتحدة الأمريكية كأسلوب أدبي شائع في حقبة الخمسينات والستينات، عندما قدم المخرج الأمريكي ستانلي كوبريك فيلم دكتور «سترينج لاف»، وهو فيلم حول الحرب النووية وفناء البشرية على كوكب الأرض. حيث قدم هذا النوع من الكوميديا في قالب درامي وهزلي مع الإبقاء على نمط جاد.
ودخول الكوميديا السوداء يأتي بخطى مترددة بطيئة في دول الخليج، رغم انتشارها في باقي الوطن العربي، وهي ما تناولها الفنان القدير ناصر القصبي من خلال مسلسله «سيلفي» في الحلقات الثلاث الأولى عن رجال الدين، والحلقتين الأخيرتين عن إرهاب الدواعش في المنطقة، انقلبت الدنيا على رأسه بردود فعل عنيفة من تهديد وتكفير وإحلال دمه في وسائل الإعلام الاجتماعي.
مسلسل «سليفي» بعث رسائل مبسطة مبينة حقيقة الدواعش وواقع العوائل السعودية والخليجية التي تعاني من استغلال أبنائها من الشباب وخطفهم تحت مظلة الدين، حيث لامست الحلقات قلب كل أم وأب في كل بيت عربي من كل الفئات، مخاطباً الوجدان العربي، فكلها رسائل استمدت من رحم الحقيقة والواقع.
كنا نسمع ونقرأ عن «داعش»، ونتأثر جميعاً بفيلم قصير يصور مشاهد إعدام أو حرق، سواء من رآه أو من لم يجرؤ على رؤيته ومكتفياً بوصف الآخرين لبشاعة المنظر وخطورته.
في رمضان استطاع مسلسل «سلفي» وبكل أريحية رسم صورة واضحة عن إرهاب «داعش» وخلاياه؛ كيف تكون حياتهم، وكيف يتدربون وكيف يعيشون، وما هو نكاح الجهاد لديهم.. وغيرها من الظواهر الدخيلة على الإسلام والدين، وتطرق إلى كيفية استغلال الشباب الخليجي والتغرير بهم وتوريطهم وتقطيع حبل وصلهم بأهاليهم بتمزيق جوازات سفرهم وشتمهم للحكومات، ومن ثم تهديدهم الواضح والمصور بالفيديو كطريقة لاستعبادهم من قبل الدواعش، فلا مجال للفرار، خاصة وأنهم سيكونون مطلوبين في بلدانهم بتهمة الإرهاب.
جسد الفنان ناصر القصبي بكوميديته السوداء حقائق صريحة عن «داعش» وبدراما بسيطة وتقنيات تصويرية عالية عجزت عنها الوسائل الإعلامية الأخرى، والتي حاولت على مدى أشهر طويلة توضيح مدى الخطر الإرهابي.
لكن خلال يومين فقط فطن الكل وازداد وعيهم بلقطات تحبس الأنفاس، فقد أبدع القصبي بتعابير وجهه وغصته الداخلية على ابنه فهو مربوط اللسان متلعثم، وفي خوفه على ابنه وبلده، مدخلاً بعض النكهات الهزلية، كنا معه قلباً وقالباً، أبكانا حين حان موعد نحره مع ولده، ومنظر آخر بالحديقة حينما كان ابنه صغيراً، تضادات مختلطة المشاعر ومضطربة.
كلها رسائل موجهة لنا بأن الإرهاب لا يعرف حبيباً ولا قريباً، ولا توجد لدى الإرهابيين رحمة وليس عندهم رجعة، إنما أشباه الرجال الآليون يتلقون الأوامر وما عليهم إلا التنفيذ.
رسائل مهمة لنا بأن هناك من الشباب من لايزال ينهل من الدواعش من باب حب الدين، ومن ثم يقعون في ورطة لا يستطيعون الخروج منها؛ إلا من رحم ربي ممن أدركوا واستطاعوا الهروب، وقد استضاف بعضهم الإعلامي السعودي داوود الشريان.
- رسالة إلى تلفزيون البحرين..
أين مسلسلاتنا الهادفة؟ أين باقي الممثلين والممثلات؟ أما زالوا في البحرين؟ نريد كتاباً بدماء جديدة ومسلسات غير مستهلكة ومعادة قلباً وقالباً.