كثيراً ما تغنى الأدباء والشعراء بالحرية، هذه القيمة الكبيرة لأهميتها على النفس الإنسانية، فهي تجلب السعادة، وسعادة الإنسان تتحقق بسعادة الجماعة، فهي تعود على النفس بالراحة النفسية والرضا الذاتي، ولكن لابد من التنبيه والتأكيد على أن حريتك الشخصية تنتهي بمجرد الاعتداء على الآخرين، فالشرائع السماوية أكدت على ضرورة توفير الحق لجميع الناس، فالإنسان يولد حراً ويجب أن يعيش حـراً.
وهنا نضرب مثالاً واحد في الحرية؛ فربما لك الحق في أن تعيش (وأن تستمتع بالتدخين)، هذا إذا وافقناك الرأي على أن التدخين متعة، لكن ممارستك للتدخين تتقاطع مع حريتي في تنفس الهواء النقي، لذلك فقد تم منع التدخين في الأماكن العامة مثل المجمعات والمؤسسات العامة، وبالتالي فلك مطلق الحرية بالتدخين في المكان الذي لا يتم فيه التعدي على الآخرين واحترام قوانين الدولة.
حين قدم بعض أعضاء مجلس النواب في إحدى جلساته مقترحاً برغبة يطالب فيه الحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع انتشار الوشم بين الشباب والشابات، والتي تقدمها بعض الصالونات والمحلات المختلفة في البحرين، فعندما يتقدم النائب بمطالبة الحكومة بأمر ما؛ على أي أساس بنيت هذه المطالبة؟ هل هناك حالات تسمم بالمئات بسبب الوشم أو أعراض مرضية خطيرة، وعلى أساسها تم تقديم الاقتراح؟.
إنها الحرية الشخصية التي كفلها دستور مملكة البحرين في أكثر من مادة من مواده، وأيدتها القرارات والقوانين المعمول بها. والتي اشترطت لهذه الحرية «مع عدم المساس بأسس العقيدة الإسلامية ووحدة الشعب وبما لا يثير الفرقة والطائفية».
نحن نمر بقضايا ومشاكل حقيقية في المملكة لا يمكن تجاهلها، وأنتم أيها النواب، يا من لكم حق الرقابة في سير عمل الوزارات والمؤسسات الحكومة والهيئات لضمان حقوق الشعب، تشغلون أنفسهم بقضايا جانبية ليس لها أي تأثير حقيقي على واقع المواطن المعيشي.
ومن أبرز القضايا التي تشغل المجتمع هذه الأيام ما ورد من مخالفات وتجاوزات مالية وإدارية رصدها تقرير الرقابة المالية والإدارية، لذلك فمن واجبكم القيام بما تمليه عليكم ضمائركم وطبيعة عملكم الرقابي والتشريعي، وهو دراسة ما ورد من ملاحظات وتوصيات في هذا التقرير وما سبقه من تقاير وتفعيل عملكم في المحاسبة والمراقبة، بل والإحالة إلى النيابة العامة إذا تم التأكيد من مخالفات مرتبطة بقضايا جنائية، وكذلك العمل على إلزام الجهات الخاضعة للرقابة من أداء مهامها وفق القوانين واللوائح ومحاسبتها عند قصورها وسن القوانين والتشريعات، إذا تم التأكد من حالة وجود ثغرات قانونية أو قصور في القوانين المعمول بها في الوقت الحاضر، أو تعديلها بما يضمن أحكام السيطرة على منافذ الفساد والإنفاق المالي والتجاوزات الإدارية.
هناك العديد من القضايا والمواضيع التي تهم المواطن بشكل مباشر وتؤثر على مستوى حياته الاقتصادية والمعيشية، فبما أنكم صوت المواطن من واجبكم أن تناقشوا قضاياه الحقيقية وتعملوا على تفعيل أدواتكم في الرقابة والتشريع بما يضمن حقوقه ويحقق له مستوى معيشياً لائقاً يبعد عنه ذل الحاجة والفقر، فهل قضية الوشم التي أثرتموها أكثر أهمية من دعم اللحوم أو أزمة الإسكان أو الأزمة المالية التي أدت إلى حالة من التقشف؟ أين أنتم من ذوي الاحتياجات الخاصة والديون المتراكمة وهدر الأموال على مشاريع لا تمثل أهمية أولى بالنسبة للمواطن؟ أين برامجكم الانتخابية التي رسمتموها وقدمتموها للناس، حيث أعطيتموهم القمر بيد والشمس باليد الأخرى؟
كل ما سبق لا يمكن أن يطرح بعيداً عن ممارسات غريبة وعجيبة لبعض الجمعيات السياسية، خصوصاً جمعيات «بوغرفة وصالة»، والتي تسجل كل يوم غياباً عن المشهد، وكأنها في حالة موت سريري، نعرف أسماء بعضها، ولكننا لا نشعر بها في حياتنا وفي حراكنا السياسي المتسارع، وهي التي كان يجب أن تمثل صورة مشرقة من صور المشروع الإصلاحي والتحول الديمقراطي الذي تعيشه البحرين، فبعضها طائفي بامتياز، اختار العمل ضمن طائفة وفئة محددة من الشعب، وآخرون انتهجوا استغلال حاجات الناس اليومية للمساومة على مواقف سياسية، أما ما تبقى، وهم الأكثرية، فدخلوا في مرحلة السبات، واعتمدوا على ما تقدمه الدولة من مبالغ شهرياً دعماً لهم، وكان من الأولى أن يتم توجيه هذه المبالغ إلى مشاريع أخرى أكثر نفعاً للمواطن وللدولة.
فمعظم الجمعيات السياسية اليوم ليس لها أي أنشطة على الساحة السياسية البحرينية، رغم ما تقدمه لها الدولة من دعم ومساندة، لذلك لا نرى منها إلا مشاريع مضحكة تتمثل في دورات في عمل المكياج والشعر وأخرى في تعليم اللغات وحل المشاكل الزوجية، وكأنها تحولت إلى جمعيات للتنمية الاجتماعية.
فما بين «وشم النواب» و»مكياج الجمعيات» يبقى المواطن يتحمل جزءاً من المسؤولية، فهو من اختار النواب وساهم في تشكيل بعض هذه الجمعيات.