كنت جالساً على مقهى في «أمواج»، كعادتي كل مساء، حين سمعت من يقهقه ويسعل من شدة الضحك، رفعت وجهي نحو الجالس على الطاولة التي أمامي فرأيته يقرأ من جهازه المحمول، وقبل أن أسأله عن سر هذا الضحك، بادرني بالحديث، وقال اسمع يا أستاذ هذا الخبر، فأنا عارف بأنك من «عشاق» الولي الفقيه: «إيران تكرم عوائل قتلى الحرس الثوري والجيش الإيرانيين في سوريا بإهدائهم بطانيات.. يعني بذمتك هذول يعرفون الله.. لا واللي يقهرك، أنهم يقارنون نفسهم بالسعودية.. بق بق».
اتسعت ابتسامتي وكادت تتحول لضحكة مجلجلة لولا أن كبحتها حتى لا أحرج نفسي أمام الموجودين في المقهى، تنحنحت وقبل أن أبدأ بالإجابة، بادرني مرة أخرى وهو قاطباً جبينه وقال بصيغة الأمر: «يبه اكتب.. اكتب خل الخمه المتيمعه اللي عندنا يعرفون ويشوفون الفرق».
وبحركة أشبه بقفزة الضفدع، سارعت وأجبته: «وتفتكر هم ما يعرفون ويشوفون الفرق»؟!
فقال: «عيل شـ اللي مغمي عينهم.. ما يعرفون أن إيران حزرة وبخيلة».
قلت له: «الولي الفقيه حزر وبخيل على شعبه، لكن مع دشتي وجماعته، فالملايين تنهمر كالمطر على روسهم».
قال في اندهاش: «دشتي اللي ما يسوى بيزة يعطونه ملايين.. آه يا القهر، هذا ما أبادله بعلبة كلينكس».
وهنا وجدت نفسي وقد انفجرت في ضحكة مجلجلة كبحتها طويلا، وهو ما سبب لي إحراجاً شديداً أمام رواد المقهى، وقبل أن أكمل ضحكتي فاجأني قائلاً: «تفتكر الإيرانيين يدفعون لهم بالدولار ولا بالتومان يا أستاذ عقيل»؟!
في تلك اللحظة شعرت بأن دش ماء بارد قد سقط على رأسي.. من تقصد بـ «عقيل»؟
فقال: «أنت مب الأستاذ عقيل سوار»؟!
قد يكون جم الكلام العفوي لهذا الرجل المحرقي العتيق، ظلم أخي وأستاذي «بومازن» حين شبه العبد الفقير إلى الله بقامة عالية كـ «عقيل سوار»، فـ «أين الثرى من الثريا؟» لكن أتصور أن ما قاله جانبه الكثير من الصواب في جزئية أن دشتي ما يسوى علبة كلينكس، وأن إيران «بجانب عيوبها الكثيرة وبلاويها» دولة حزرة وبخيلة.
أتفق مع نظرياتك يا محرقي 100%..
فنظام يزج بعشرات الآلاف من أبناء شعبه في مواجهة شعب عربي مسلم ولمناصرة نظام ديكتاتوري مستبد، ويكرم أهالي وذوي القتلى منهم ببطانية لكل عائلة بدل النياشين والأوسمة، لا يستحق أن يوصف «بلفظ مؤدب ومنتقى» بأقل من أنه نظام قمة في الخسة والعفانة وابن ستة وستين صرماية، لا قيمة عنده لدم أبنائه وتضحياتهم.
هذا الواقع يجعلنا نشفق ليس على الشعب الإيراني والذي يرزح تحت وطأة الفاشية الدينية الحاكمة فحسب، بل وحتى تلك الشعوب التي تعيش تحت الاحتلال الإيراني، وهو ما يجعلنا نفتح سيرة الناشطة الأحوازية «زكية حر» التي اعتقلتها السلطات الإيرانية المحتلة مؤخراً، وهددت أهاليها وطالبتهم بالظهور في فيلم يعترفون فيه بعدم تعرض زكية للتعذيب، وهو ما يستدعي فتح ملف حقوق الإنسان داخل السجون الإيرانية وقصص التعذيب والاغتصاب وجرائم النظام الإيراني تجاه معارضيه.
ولكن وسط كل هذا، تظل الحيرة قائمة فيما يخص الصمت المدقع الذي يكتنف منظمات حقوق الإنسان في العالم كـ «هيومن رايتس» و«أمنستي» التي ابتكروها الأمريكان والأوروبيين للابتزاز، ويبدو أن تلك المنظمات والتي تدار من قبل دول يطغى عليها سمة أساسية وهي ازدواجية تصل إلى حد المرض، كما لم يسبق لها أن أدانت انتهاكات إسرائيل ولا جرائم الإرهاب، تعيش حالة شيزوفرينيا تجاه جرائم إيران، ولا غرابة في ذلك فأغلب تلك المنظمات معروض للبيع في سوق النخاسة والسياسة الدولية وتسعيراتهم ثابتة، وقد يعرضون تنزيلات موسمية هذه الأيام وقبل مؤتمر جنيف لحقوق الإنسان.