*في غالب الأحيان لا نتذكرها في محيط الحياة، ولا نسردها على ضفاف الأيام، ويلبسنا ثوب الغرور حتى لا نعترف بتقصيرنا فيها، أو نذكرها على سبيل التعديل والتصويب والانطلاق من جديد في مسير الحياة.. هي نفوسنا التي نغتر بها أحياناً حتى لا نقوى معها أن نعترف بمكامن الخطأ.. هي نفوسنا التي يعترينا فيها النقص والسرحان والسهو وارتكاب الذنوب.. ولكننا نظل نتشبث بأذيالها المخيبة للآمال بدون أن نشعر، فتكون النتائج في نهاية المطاف وخيمة لا ننتظر بعدها الفرج والنجاح.. لا نستنكر أبداً أن نتعايش مع هذه النفوس، ولا نستنكر أبداً أن نظل في صراع مع أشباحها الموحشة من أجل التغيير، ولكن دون جدوى أو ثمرة مرجوة.. أتأملها على شاطئ الحياة فأجدها تلك النفس الخاوية التي أبت أن تكون الواحة المثمرة، وأصرت على أن تعيش في مساحات الحدائق القاحلة، فلا منبت ولا كلأ.. أتحسر عليها.. وأتأملها جيداً.. لعلي أمسك بخيوط بسيطة تنتشلني من بحور الغرق في دنيا فانية.. يكفينا فيها سرحان، ويكفينا الغرق في مستنقعات الرذيلة، ويكفينا اللهو في «أوقاتنا» التي باتت تنقضي بدون أن نشعر.. نكبر.. تتبدل الأحوال.. تضيع الفرص تلو الأخرى.. ثم نتحسر ونقول: الأيام سريعة.. يا ليتني عملت وعملت.. تذكرت حينها قول الله تعالى: «يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا».. وقوله تعالى: «ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا». وقوله صلى الله عليه وسلم: «اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك». وقوله صلى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل فقال: يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس».
*أتأمله وهو لا يلبس في غالب أحيانه إلا لباس الجبروت والاستئناس من حظوظ النفس.. أتأمله وهو يبحث في مواطن الحياة عن تلك النقاط اللامعة التي تلمع شخصيته ويدندن معها اسمه على أوتار الحياة.. هو كذلك تتأمل شخصيته فلا تراها إلا تلك التي خطت من أجل تجميع المصالح الحياتية لتكون لها السبيل الأمثل للشهرة.. عجبي من شخصيات لا تعي أن الحياة القصيرة، ولا تلتفت لنيات الأعمال، فلا خير في شخصيات عاشت من أجل نفسها فقط، وتناست أنها لا بد أن تكون مشعل خير في حياة الآخرين..
*أتأمل أصحابي وتلك المجموعة الفذة التي أحب أن أكون معها وأتلذذ معها طعم الأجور ونكهة العمل المثمر.. حينها يهون عندي كل شيء.. لأني معهم أحقق «نجاح الذات» وأتلذذ بالعمل، وأستطيع أن أعمل في أجواء نقية صافية يملأها الحب الصادق، والنية الخالصة، والعمل المنتج الذي يبتغي المثوبة والأجر ورضا رب البريات قبل الآخرين.. أتأمل هذه المجموعة فأشعر بارتياح نفسي.. وأقول في نفسي.. هي الحياة التي تقتنص فيها الفرص.. وتبحث فيها عن مناهل الإيمان التي ترفع من شأنك في مقام الخير وعند الملك الديان.. تأمل تلك المجموعات الربانية جيداً، وأحرص على أن أكون فيها نموذجاً ربانياً مخلصاً يقدم الخير ولا ينتظر الشكر، ويتقن ويبدع ويتفنن في أساليب الظفر بالأجور من أجل أن يصنع مكانته في الفردوس.. جمعنا الله وإياكم فيها.
*هو شعب ضرب أروع وأجمل وأنقى معاني العطاء وحب الأوطان.. شعب تركيا الذي خرج عن بكرة أبيه ليعلن للعالم أن حب الأرض التي ترعرع عليها لا يقاس بثمن.. وإن اختلفت الأسماء والجماعات.. فحب الأوطان هو الباقي الذي يدفع بالمرء ليكون العنصر الفاعل في بنائها.. ذكرني الشعب التركي بشعب البحرين الحبيب.. وبوقفات الفاتح الأبية.. وبتلك الأعداد الغفيرة التي خرجت من أجل أن تحافظ على أرضها وسمائها ووطنها الذي يمثل الكثير في حياتها.. حفظ الله البحرين والدول الإسلامية من كل شر وسوء ومكروه.
*تحتاج مؤسساتنا إلى وقفات متأنية تراجع فيها سياساتها وأساليب عملها وبرامجها التي لم تعد تلبي احتياجات المجتمعات، ولم تعد تستند إلى أية معايير منطقية تشفع لها لتكون «المؤسسة الرائدة» في استراتيجياتها وأطر عملها.. فالعديد من المؤسسات مازالت رؤاها غامضة، واستراتيجياتها مجرد «حبر على الورق»، وبرامجها مجرد مشروعات متناثرة أكل عليها الدهر وشرب.. فضلاً عن تهميشها للكفاءات المخلصة، والعناصر الشبابية التي لها أكبر الأثر في تطوير مسيرتها التنموية.. نحتاج إلى وقفات تأمل لواقع مؤسساتنا، تنظر بعين التبصر لواقعها وتنتشله من عتبات التراجع، وتحوله إلى واقع «أكثر عملية» مع تغير الزمن واختلاف المجتمعات وتنوع أساليب العطاء.
ومضة أمل:
قد تتحدى يوماً ما ومضات الغروب.. وقد تكتب عبق سعادتك بنجاح.. وقد تسير نحو الأمل.. وقد تصل إلى نقطة في الأفق البعيد.. تحس معها بأنك تحتاج العودة مجدداً حتى تغير وتنطلق بأمل جديد.. هي المشاعر فيها تنطلق بدون استئذان، ولو رتبت لها من قبل، لم تنطق الحروف أبداً كما تريد..