فى بداية الأسبوع الماضي، زارني صديق لي من الإدارة التى أعمل بها، ولمحت فى خطواته خيلاء دون تكبر، وزهواً دون غطرسة، ويشع من عينيه بريق المنتصر النشوان بإنجاز عظيم، فحدثت نفسي بأن صديقي قد نال درجة أو ترقية غير عادية، وبدأ الحديث وأنا متربص به، وأستدرجه بأسئلتي ليصرح عما بدا على محياه من سعادة غامرة.
وحط الرحال بنا إلى مكان قضاء إجازته الأخيرة، وتوقعت أن يقص عليَّ ما رآه فى القاهرة هذه المرة، كونه من عشاق قاهرة المعز، إلا أنه فاجأنى بأن زيارته كانت إلى لندن، وهمس فى أذني دون أسرار - بأنه قدم لابنته في إحدى الجامعات البريطانية وذهب لينهي لها إجراءات الجامعة ويدبر لها شؤون معيشتها كما فعل مع ابنه الكبير الذي يدرس حالياً فى ماليزيا. ولا أنكر شعوري بالفخر بما فعل صديقي كونه أخذ بنصيحتى والتي تتلخص فى أن أفضل استثمار هو الاستثمار في الأبناء.
وتذكرت قصة الفلاح المصري المسن الذي جلس في هدوء أمام منزله العتيق متكئاً على عصاه، كأنه يحكم نصف الكرة الأرضية حينما زاره صديق طفولته والذي أبعدتهم الدنيا ومشاغلها عن بعضهم البعض، فصديق صاحبنا أنهى تعليمه الجامعى وتقلد العديد من المناصب ومارس الكثير من الأنشطة التجارية والاستثمارات التي حققت له ثروة تقدر بمائة فدان من الأراضي الزراعية وأخذ يتباهى ويتفاخر بما حققه من ثروة، وبعدها سأل صديقه عن ثروته الحالية كم بلغت؟ فكان الرد الهادئ الممزوج بالسكينة أن أرضه كما هي والبيت كما هو ولم يزد شيئاً.
نادى الفلاح على أحد أحفاده وطلب أن يجلب له ألبوم صور العائلة وأخذ يتصفحه ويشير إلى صور أبنائه، فالأول أستاذ فى كلية الهندسة، والثاني طبيب ذائع الشهرة، والثالث قاض فى إحدى المحاكم، والرابع ضابط فى سلاح الطيران، والابنة الأخيرة أنهت دراستها، وتزوجت زميل ابنه الثاني، وسأل صديقنا الفلاح صديقه صاحب المائة فدان كم تضع من الفدادين أمام كل ابن من أبنائي، فخيم الصمت على جلسة جرد الثروة بين الصديقين، ونطق صاحب المائة فدان بأنه أفقر من أن يعدد ثروته أمام هذا الفلاح الحكيم.
خلاصة ما أردت أن أطرحه على القارئ الكريم هو أن أفضل استثمار هو أن نستثمر فى أعز ما لدينا في فلذات أكبادنا، بحيث يكونون لنا من بعد الله عوناً وذخراً، ونحقق قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، فاستثمروا في أبنائكم ليبنوا الأمجاد والأوطان ويكونوا دروعاً ضد الأعداء المتربصين بالأمة من كل مكان ويكونوا منارات للعلم تقيل الأمة مما أصابها.
وأهمس فى أذن صديقي، وأقول له، بورك لك في أولادك ومتعك الله بالصحة وأقر عينيك بهم وجعلهم الله ذخراً لك وللمملكة الحبيبة.