من الملفت للنظر والداعي للتعجب أن دولة متجذرة التاريخ مثل مملكة البحرين وبرغم ما خطته من خطوات كبيرة نحو الحداثة والتطور جعلها دولة مؤسسات بالمعنى الحديث، إلا أنها لم تشرِّع حتى الآن قانوناً خاصاً بالأوقاف اللهم إلا المرسوم رقم «6» لسنة 1985 بشأن تنظيم مجلس الأوقاف السنية والجعفرية وإدارتيهما وهذا القانون يعنى فقط بالمؤسسة التي تشرف على إدارة الوقف ورعايته.
هذا القصور التشريعي له أسبابه، ويجب أن نسلط الضوء عليها في محاولة لسد هذه الثغرة منها على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً: تعدد المذاهب الفقهية المطبقة في المملكة، إذ قد يبدو صعباً «من الناحية الشكلية والإجرائية»، وضع تشريع موحد للوقف، حتى إن بعض الاقتراحات ترى أن يوضع قانون للمذهب السني وآخر للمذهب الجعفري، وهذا في نظري ستكون سلبياته أكثر بكثير من إيجابياته.
ثانياً: عدم وضع فكرة الوقف في أولويات المجتمع البحريني «وهذه مشكلة عامة في كل الدول الإسلامية» مما جعل فكرة تقنين تشريعات حاكمة للوقف غير حاضرة لدى المجتمع.
ثالثاً: غياب الثقافة الوقفية وعدم إدراك أثر الوقف في المجتمع لدى كثير من البرلمانيين والقائمين على العمل التشريعي جعل الأمر بعيداً عن اهتماماتهم ومقترحاتهم داخل البرلمانات المتعاقبة.
رابعاً: النجاح الذي حققته بعض الجمعيات الأهلية في تقديم الخدمات الاجتماعية أدى إلى الاستغناء ولو جزئياً عن الأوقاف.
خامساً: قلة الدراسات والأبحاث القانونية ما أدى إلى ضعف حركة التقنين في مجال فقهي معين أدى إلى جمود التشريعات القديمة، ولم تلبِ حاجة المجتمع في ظل تعقيدات متطلباته.
سادساً: عدم إدراك أهمية الوقف ودوره التنموي مما أدى إلى عدم ترجمة هذا الإدراك عبر مجموعة من الإجراءات والتشريعات الجادة بهدف إطلاق قدرات الوقف الكامنة كما كان في عهود ازدهاره.
سابعاً: غياب الثقة في القائمين على إدارة الوقف خاصة مؤسسات الوقف الرسمية، وهذه الثقة المفقودة نتيجة تراكمات قديمة قدم العمل الوقفي.
وبرغم كل هذه السلبيات وغيرها إلا أننا نجد الكثير من المبررات تدفعنا إلى المطالبة بضرورة سن قانون خاص بالوقف أهمها:
1- المطالبة بتطوير التشريعات الحاكمة للأوقاف في مملكة البحرين تأتي ضمن المطلب العام لإصلاح مؤسسة الوقف في جوانبها المختلفة: الإدارية، والتنظيمية، والمالية، والاستثمارية وغيرها.
2- التجارب الناجحة التي حققتها كثير من الدول الإسلامية وعلى رأسها بعض دول مجلس التعاون الخليجي في تقنين كافة الشؤون الخاصة بالوقف، مما انعكس إيجاباً على مردود الوقف وأثر بوضوح في انتشار ثقافة العمل الوقفي في تلك البلدان تجعل المطالبة بسرعة إصدار قانون للوقف أمراً ملحاً للاستفادة من ثروات الأوقاف المعطلة.
3- وضع تنظيم يكفل سلامة الوقف والمحافظة عليه لتحقيق مقصده حسب شرط الواقف، ضمن مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية.