يشهد التاريخ الإسلامي على عمق العلاقة الحميمة، بين الفاروق عمر بن الخطاب، والإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما.
كان علي بن أبي طالب يعتبر عمر بن الخطاب مثل أبيه الروحي، وكان ملاصقاً له طوال حياته الطاهرة، حيث وجدت الكثير من الأدلة، التي تثبت ما ذكرت، سأوردها جميعاً في هذه الحلقات، إلى أن أنتهي من جميع ما حصلت عليه من معلومات عن هذين الصحابيين الجليلين. بدأت هذه العلاقة الروحية الحميمة منذ أن أسلم عمر بن الخطاب، وكانت أعز أمنيات النبي صلى الله عليه وسلم، أن يسلم هذا الرجل القوي المتعلم المخلص لما يؤمن به، وكان علي بن أبي طالب يشارك الرسول الكريم هذه الأمنية لينتشر الإسلام بأقويائه.
لذلك قال علي بن أبي طالب عندما سمع بإسلام عمر بن الخطاب: «ذلك أمرؤ سماه الله الفاروق، فرقّ به بين الحق والباطل، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين»، «أخرجه الترمذي». وكان النبي عليه الصلاة والسلام، يقصد بالعمرين، عمر بن الخطاب، وعمرو بن هشام، نظراً لما علم منهما من علم وثقافة وخلق.
وعندما حانت هجرة المسلمين من مكة إلى المدينة، نظراً لما تعرضوا له من أذى، كانوا يهاجرون بالخفاء، لكي لا يتعرضوا لهجوم الكفار، لكن عمر بن الخطاب رفض أن يفعل ذلك، وأعلن إسلامه وهجرته وسط أهل قريش، فقال عنه علي بن أبي طالب: «ما علمت أن أحداً من المهاجرين هاجر متخفياً إلا عمر بن الخطاب، فإنه عندما أهم بالهجرة تقلد قوسه وانقضى في يده سهماً، ومضى إلى الكعبة، والملأ من قريش في فنائها، فطاف بالبيت سبعاً متمكناً ثم أتى المقام «مقام إبراهيم»، فصلى ثم وقف، وقال لهم، «شاهت «قبحت» الوجوه، من أراد أن تثكله أمه «تفقده»، أو ترمل زوجته، فليتبعني وراء هذا الوادي»».
وفي مناسبة أخرى، تحدث علي بن أبي طالب عن اعتزاز الرسول الكريم بعمر وأبي بكر الصديق، رضي الله عنهما، حيث قال: «كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال عليه الصلاة والسلام: «هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين، عليهم السلام، ولا تخبرهما يا علي».
وكان علي يقول إنه طالما سمع الرسول الكريم يقول «جئت مع أبي بكر وعمر ورحت مع أبي بكر وعمر».
وكان النبي عليه الصلاة والسلام، قد ربى عمر بن الخطاب على التفقه في الدين الإسلامي، لأنه كان يميل إلى تأمل الأشياء والتفكر قبل أن يصدر الحكم على أحد، وكانت أحكامه تعبر عن حكمته وسعة أفقه وعمق مداركه وذكاء عقله وغزارة علمه وتبصره الدقيق في الناس والحياة. وكانت لعمر بن الخطاب مكانة كبيرة في الجاهلية وفي الإسلام.
كان علي بن أبي طالب يؤيد اجتهاد عمر بن الخطاب فيما يتعلق بأحكام الدين الإسلامي التي لا يوجد لها نص، أثناء حكمه.
فعندما أصبح عمر بن الخطاب رضي الله عنه خليفة للمسلمين دعا إلى صلاة التراويح، بعد أن كان يرى المسلمين يصلون فرادى في رمضان، فقال لهم «والله لأظن لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد، «أي إمام واحد»، لكان أمثل «أفضل»»، فأمر أبي بن كعب أن يكون إمامهم في رمضان. ثم أرسل إلى حكام سائر بلاد الدول الإسلامية يدعو الناس لصلاة التراويح في شهر رمضان. ومر علي بن أبي طالب بالمساجد في رمضان فرآها مضيئة وعامرة بالمصلين، وكانت من قبل تغلق أبوابها بعد صلاة العشاء في رمضان، فقال «نور الله لعمر في قبره، كما نور المساجد بالقرآن».
وهكذا أصبح الناس يصلون التراويح في رمضان ويقرؤون القرآن ويتدبرون فيه خلاله. يتبع.