كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه المستشار الأول في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وساعده الأيمن في القضاء وتسيير شؤون الدولة بعد أن توسعت الفتوحات الإسلامية في أثناء خلافته. ولقد ذكرت من قبل بعض القضايا الشرعية التي كان يستشير الخليفة عمر بن الخطاب مستشاره الأول علي بن أبي طالب، ومن ذلك على سبيل المثال:
* تزوجت امرأة من شخص أثناء عدتها.. ففرق عمر بينها وبين زوجها، وأعاد الصداق إلى بيت المال. ووصل ذلك الحكم الذي قضاه عمر إلى علي فجاء لعمر وقال له «وإن كان قد جهل الزوجان هذه السنة، فلها المهر فيما استحل من فرجها.. ويفرق بينهما، فإذا انقضت عدتها، فهو خاطب لها من ابن الخطاب»، فوافق عمر على حكم علي في هذه القضية.
* وقفت سيدة أمام الخليفة عمر بن الخطاب ليحاكمها بعد أن تعلقت بشاب من الأنصار.. وعندما لم يقبلها، احتالت عليه، بأن أخذت بيضة وألقت بصفارها، وصبت البياض على ثوبها وبين فخذيها.. وصرخت وهي تقبل على الخليفة عمر لتشتكي اعتداء الشاب على عرضها قائلة: «هذا الرجل، غلبني على نفسي، وفضحني بين أهلي، وهذا عمله»، فسأل عمر النساء فقلن انهن «رأين على ثوبها وفخذها أثر المني»، فأراد عمر عقوبة هذا الشاب، لكن الشاب استغاث مدافعاً عن نفسه بأنه لم يمسها بعد أن حاولت إغراءه. احتار عمر وكعادته استشار علي بن أبي طالب قائلاً: «يا أبا الحسن ما ترى من أمرهما». نظر علي إلى ما على ثوب المرأة، ثم جاء بماء حار شديد الغليان، وصبه على الثوب، فجمد ذلك البياض، ثم أخذه وشمه وذاقه فعرف طعم البيض، وزجر المرأة فاعترفت بكذبها.
* مر عمر ببيت في المساء كعادته في تفقد شؤون رعيته، فسمع صوت رجل وامرأة يبدو من أصواتهما أنهما يمارسان الجنس، وعند الصباح سأل عنهما، فقيل له أنهما غير متزوجين، فأمر عمر بتطبيق عقوبة الزنى عليهما، لكن علي بن أبي طالب قال له «أجئت عليهما بإربعة شهود»، فقال عمر إنه «شهدهما وحده»، فقال علي «لله أنه لا يحق عليه أن يحكم بعلمه وحده فعسى أن يكون قد شبه له، أو أخطأ، لذلك لابد من تواجد الشهود الأربعة كما نص القرآن وجرت السنة»، فوافقه عمر، وكان يشدد في العقوبة بسبب تفشي الفاحشة، بسبب الفتوحات الإسلامية وتغير الظروف الاجتماعية، ولم يكن علي بن أبي طالب أقل منه تحرجاً وتشدداً، لكنه أراد أن يحمي الناس من الأخذ بالظاهر.
* وضع تاريخ للدولة الإسلامية: استشار عمر بن الخطاب، علي بن أبي طالب، حول كيفية وضع تاريخ رسمي ثابت لتنظيم أمور الدولة وضبطها، فاقترح علي عليه أن يبدأ التاريخ الإسلامي من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، فوافقه عمر عليه وطبقه. ويكفي أن نعلم أن عمر بن الخطاب كان شديد الحب لأهل رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ويحترم زوجات الرسول ويهتم بهن أثناء خلافته. كما أن عمر بن الخطاب تزوج بابنة علي بن أبي طالب، السيدة أم كلثوم رضي الله عنها، وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه قد سمى ابنه عمر لحبه الشديد لعمر، الذي كان يعتبره مثل أبيه الروحي، وكذلك سمى الحسين بن علي رضي الله عنه ابنه عمر.
فهل نسير على نهج هؤلاء العظماء ونحترم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي سماه الرسول الكريم «الفاروق» لشدة عدله وزهده في المال العام وتحريمه على نفسه إلا لحاجته الشديدة؟
هل يمكن أن يكون علي بن أبي طالب مستشار عمر بن الخطاب في أمور الدولة المختلفة كما ذكرت سابقاً لو لم تتواجد المحبة الصافية بين هذين الصحابيين الجليلين؟ بل هل كان علي بن أبي طالب يقبل أن يكون المستشار الأول المخلص في نصائحه للخليفة عمر بن الخطاب لو كان غاضباً لأنه لم يصبح خليفة المسلمين بعد موت الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه؟
بالطبع لا، إن ما يختلقه البعض من تشويه لعلاقة علي بعمر، لا يمت للواقع بصلة، ولا يتناسب مع زهد وسمو أخلاق علي بن أبي طالب.
لقد أرادوا أن يصوروا فترة الخلفاء الراشدين وكأنها عبارة عن تناحر على السلطة، كل واحد منهم كان يتربص بالآخر، لينقض عليه، رغم أنهم كانوا محبين لبعضهم البعض، وزاهدين في السلطة، وراغبين في الرحيل إلى العالم الآخر، للقاء حبيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.