قبل الحديث عن بنية التصور المقترح يجب أن نلفت النظر الى بعض الجزئيات الهامة التى يتوجب العمل بها عند وضع التشريعات الحاكمة للوقف ليس فى المملكة وحسب، بل فى كل تشريعات الوقف الحالية والمستقبلية.
الجزئية الأولي: أهمية رأي الإمام أبي حنيفة رحمه الله في التشريعات الوقفية المعاصرة: رأي الإمام أبي حنيفة يمكن الاستفادة منه في التشريعات المعاصرة للأوقاف، وذلك لعلاج بعض المشكلات التي تعرض للواقف حال حياته، إذ قد يواجه بعض الطوارئ مما يجعله بحاجة ماسة إلى عين الوقف لتفريج كربة عنه أو دفع أو رفع حرج بالغ عنه.
الجزئية الثانية: قضية الاستبدال: تناول العديد من الكتب والبحوث صيغة الاستبدال بالشرح والإيضاح، وأكد على أهميتها ودراستها قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة رقم «5/12».
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة بين مضيق كاد أن يمنع كل صور الاستبدال، وبين موسع يجيز كل صوره ما دام يحقق المصلحة للوقف. وأحكام الاستبدال معروفة ومشهورة في كتب الفقه.
وما أود التنبيه إليه في هذه القضية هو ضرورة الاستفادة من مذهب الحنفية في موضوع الاستبدال ومرونته، وكذلك بعض فقهاء الحنابلة في معالجتهم لقضاياه وأحكامه وصوره، وبخاصة إسهام شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في الموضوع من خلال رسالته «الاستبدال في الوقف»، فقد ضمنها كماً هائلاً من البراهين والأدلة على صحة رواية جواز الاستبدال عن الإمام أحمد رحمه الله، وأنه قول في المذهب، ورجح فيها الرأي الذي يرى جواز الاستبدال للمصلحة بأدلة نقلية وعقلية، وأثبت أن هذا الرأي هو الموافق للأصول والمنقول عن السلف.
الجزئية الثالثة: المرونة القانونية والتي أخذت بها القوانين الغربية حيث عمدت هذه القوانين إلى الإفادة من كل فرصة ممكنة لتشجيع أعمال البر، فبالإضافة للإعفاءات الضريبية تقدم أيضاً هذه القوانين إطاراً قانونياً يشجع على إقامة أوقاف جديدة، ويشمل ذلك الإطار بشكل خاص نماذج متعددة من التنظيمات القانونية الوقفية منها الوقف المؤقت «Trust Temporaray»، فالوقف المؤقت يشبه ما عرفه المالكية من جواز توقيت الوقف بحيث يكون التبرع من المال، بعائد المال وليس بأصل المال نفسه أو منافعه خلال مدة الوقف، مثالاً لذلك: فقد سمح القانون الأمريكي بأن يرجع إلى الواقف أصل الوقف مع ما تراكم فوقه من أرباح رأس المال إذا نص الواقف على ذلك في وثيقة الوقف، وذلك دون خسارة الإعفاء الضريبي في كثير من الأحيان.
وهناك ما يسمى بـ «الوقف الخاص Living Trust»، وفيه يحول الواقف ما يخصص له من مال إلى مال وقفي مؤبد ولكنه تحت إشراف وإدارة الواقف نفسه وورثته من بعده، ولفائدتهم ومنفعتهم، وهذه الصيغة الوقفية تشجع على تأبيد الأموال في الوقف دون فقدان الواقف لأية منافع من عوائدها ونمائها، وعلى الرغم من بقاء مال الوقف تحت سيطرة الورثة ولنفعتهم فإن الحبس نفسه يبقي أصل المال في خدمة التنمية الاجتماعية الاقتصادية دون أن يمكن استهلاك أصله فهو يستحق لهذا الدور التنموي مزايا قانونية يتمتع بها إضافة إلى الإعفاءات الضريبية.
بعد هذه الإشارات في قضايا الاستبدال ووجوب مرونة القانون والحث على الأخذ برأي الإمام أبي حنيفة في التشريعات الوقفية سنحاول فيما بعد عرض الخطوط الرئيسة لبنية القانون المقترح من خلال سرد القضايا الرئيسة في نظام الوقف في محاولة لتقديم صيغة تكون نواةً للتشريع المرجو.