كان الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كمستشار أول للخليفة الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، خلال خلافته مخلصاً له، ما إن يقترح شيئاً على عمر إلا واتجه إلى تنفيذه عن قناعة، وكان علي مخلصاً في نصائحه لعمر في كل شؤونه وشوؤن الحكم أثناء خلافته. وكان عمر بن الخطاب يستخلف علي بن أبي طالب، كنائب له في الحكم، إذا اضطر إلى الجهاد وكان علي يقوم بهذه المهمة بكل حب وإخلاص لعمر.
وحدث ذلك حين نزل عمرو بن العاص «أجنادين»، فكتب إليه بطريرك بيت المقدس وهو شيخ مسن وورع، ثم فاوض البطريرك أبو عبيدة بأن يفتح عمر بن الخطاب بنفسه لا أحد غيره. فكتب أبو عبيدة إلى الخليفة عمر ليخبره بطلب البطريرك، فجمع عمر الناس وطلب من علي بن أبي طالب أن يستخلفه على المدينة أثناء غيابه.
ثم استخلف عمر بن الخطاب علياً بن أبي طالب على المدينة عندما اصطحب أمهات المؤمنين زوجات الرسول صلى الله عليه وأولياؤهن إلى الحج وكانت آخر حجة له في حياته.
ولم تقتصر مشاورة عمر بن الخطاب لعلي بن أبي طالب على القضايا الجنائية والشرعية فقط كما ذكرت في الحلقة الثانية كمستشار أول، وإنما تجاوزتها إلى التنظيمات المالية والإدارية للدولة الإسلامية أثناء خلافته، منها مثلاً:
* وضع تاريخ للدولة الإسلامية: استشار عمر بن الخطاب علي بن أبي طالب حول كيفية وضع تاريخ رسمي ثابت للدولة الإسلامية لتنظيم أمورها وضبطها، فاقترح علي عليه أن يبدأ التاريخ الإسلامي من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، فوافقه عمر بن الخطاب ونفذه.
* الأراضي المفتوحة واجتهاد عمر وتأييد علي: اتسعت رقعة الدولة الإسلامية بعد الغزوات التي قام بها المسلمون لفتح الدول الأخرى، ونشر الدين الإسلامي، وكانت هذه الأراضي صالحة للزراعة، إلا أن المحاربين الذين خاضوا الفتوحات الإسلامية كانوا يعتقدون أن أربعة أخماسها حق لهم، كما نصت الآية الكريمة رقم 41 من سورة الأنفال «واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير».
احتار الخليفة عمر، ماذا يفعل لكي لا يصبح هؤلاء المحاربون طبقة ثرية دون غيرهم من شعوب الدول الإسلامية، ويستحبون الرفاهية، ويبتعدون عن الجهاد في سبيل نشر الإسلام، ثم يرث أبناؤهم هذه الثروات، دون بقية السكان في هذه الدول؟ كان للخليفة عمر بن الخطاب رؤية بعيدة في كيفية إدارة الدولة الإسلامية، فيما بعد أن أصبحت دولة قوية تتكون من عدة دول، تتلخص في أن ليس من حق المحاربين المسلمين أن يأخذوها كلها، وإنما يمنحون جزءاً منها نظراً لجهادهم ويخصص الجزء الباقي لخزينة الدولة، لكي تنفق على احتياجات الدول الإسلامية، وإعداد جيش قوي لحماية هذه الدول وتقدمها، كما أنه كان لعمر رؤية حكيمة بالنسبة لممتلكات أصحاب الديانات الأخرى، في الدول التي دخلت في الإسلام، بأن يديروا أراضيهم ويرسلوا جزية إلى الدولة الإسلامية لأنهم لا يشاركون في الفتوحات ولا حماية الدولة التي يعملون فيها ويدفعون جزية للدولة الإسلامية نتيجة لدفاعها عنهم. لكن المحاربين الصحابة كانوا ضده، لأنهم حصلوا يوم خيبر على بقية الغنائم من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن اقتطع منها الخمس الذي ذكرته الآية «41» من سورة الأنفال، واعتقدوا أن لهم باقي الغنائم في كل معركة يخوضونها. وبحث عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وبعض الصحابة عن حل لهذه المشكلة بعد زيادة مساحة الدولة الإسلامية بفتح مصر والعراق وبلاد فارس وغيرها من الدول وتزايد الغنائم من المال والكنوز الثمينة. فهذه الدول وكذلك مكة والمدينة بحاجة للإنفاق على احتياجات شعوبها ورعاية سكانها بالعدل وحماية الدولة الإسلامية من الأعداء.فكيف تعاون عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وبعض الصحابة رضي الله عنهم لحل هذه المشكلة؟ سنعلم ذلك في الحلقة القادمة. «يتبع».