لازلت أذكر الرعب الذي أصاب عملاء مطعم مشهور كنا نحب أن نتناول طعامنا فيه، عندما تكون مادياتنا بخير، وهي عادة بداية كل شهر، عندما انطلق صرصور طائر يحط على شعر إحدى السيدات ثم يقفز إلى جاكيت أخرى ومن ثم ليتحرك من طاولة إلى أخرى. توجه صديقي النادل بكل ثبات إلى الصرصور الذي حط على طاولة أحد العملاء ليلقي عليه منديل طاولة ثم يلمه ويلقي به خارجاً. اعتذر من الحضور وبرر ذلك بتغير الطقس الريفي ثم طلب تقبل طعامهم مجاناً هدية من المطعم، فعل ذلك دون الرجوع لإدارته لإنقاذ الموقف.

لعلكم تعتقدون أن النادل قد تربى في أزقة قذرة لذلك تعامل مع هذه الحشرة المقرفة بشكل عادي، لا لم يكن الأمر كذلك لقد كان النادل صديقي وهو من أسرة عربية محترمة وثرية، ولكنه تربى على يد جده الذي طالما اشتكت والدته منه ومن طريقة تربيته القديمة. فلقد كان الجد قد أقنع أصغر أحفاده أن يرافقه ويعلمه كيف يصبح رجلاً في وقت قصير وكان الحفيد يريد أبعد من ذلك.

كان يريد أن يتعلم كيف يصبح مسؤولاً وحكيماً في وقت قصير ويتجاوز تجاهل أخوانه وأعمامه له لصغر سنه ودلال وتعلق أمه به. في حقيقة الأمر كان يريد أكثر من ذلك أن يقودهم جميعاً وكان أهم درس تعلمه من جده القدرة الفائقة على ضبط النفس في وجه أي مفاجأة أو خطر فالمشكلة الأساسية ليست في البيئه الخارجية بل في كيفية ضبط مشاعرنا الداخلية في مواجهتها وهذا ما فعله مع الصرصور.

والدرس الثاني المهم إذا كنت تريد أن تتقن الأمور فلا تنظر إليها من الأعلى بل أنزل إلى أسفل السلم وتعلم من القاع إلى أعلى ثم اعتلِ القمة وكان حينها يحاول أن يلامس صناعة المطاعم من القاع وهي إحدى أهم أعمال عائلته التجارية.

عندما عاد إلى وطنه بعد أن أكمل دراسته لم يستطع أحد تجاهله فقد كانت طريقة تعامله مع الأمور ونظرته لها أعمق وأكثر شمولية وصواباً خاصة في إدارة العمليات. بعد سنوات قليله لم تتجاوز العشر كان يدير معظم أعمال عائلته التجارية بنجاح وهو الآن يتربع على أعلى قمة فيها.