بيتٌ متهالك آيل للسقوط، لا بل قد تهدمت أجزاء كبيرة منه بالفعل، تملؤه القاذورات والأوساخ وبقايا الهدم، وبلا شك الحشرات والقوارض.. عندما تراه للوهلة الأولى ستقرر أنه من المستحيل أن يكون صالحاً للسكن الآدمي.. أما المفاجأة فإنه مأهولٌ بالفعل من قبل عشرات من العمالة الأجنبية التي استغلت كونه مهجوراً، فتداعت إلى سكناه «مجاناً» رغم استحالة السكن فيه معتمدة على مياه المسجد القريب ومستمدة الكهرباء من مولدٍ كهربائي صغير.

هذه ليست قصة من نسج الخيال، لا بل هي قصة واقعية تحدث في النعيم بالعاصمة المنامة ومثلها ربما عشرات القصص التي تتكرر في أماكن مختلفة من مملكة البحرين التي لاتزال تعاني من مشكلة سكن العزاب على رغم انقضاء أربع دورات بلدية تقريباً دون أن يفلح من توالى على كل تلك المجالس البلدية في حلحلة هذه القضية الشائكة.

إن الإحصائيات المتعلقة بنسب الأجانب القاطنين في المناطق القديمة -خاصةً- بالمقارنة بنسب المواطنين «أهل المناطق الأصليين» تشير إلى تفاوت خطير و»مخيف»، يشي بتغير التركيبة الديمغرافية لهذه المناطق خاصة في المنامة والمحرق -المدينتين الأعرق والأكبر في مملكة البحرين- وكذلك هو الوضع -وإن كان بنسبٍ أقل- في المحافظات الأخرى «الشمالية، والوسطى، والجنوبية».

فعندما تتحدث الأرقام -التي حصلنا عليها من مصادرنا الخاصة- عن نحو 320 ألف عامل أجنبي يعيشون في محافظة العاصمة وينتشرون بين دوائرها العشر.. فإن هذا خلل.. إذ لو قسمنا الرقم على تلك الدوائر بالتساوي لكان عدد العمالة القاطنة في كل منها يصل إلى 32 ألفاً..!

وعندما تشير الإحصائيات إلى أنه في المنامة لوحدها يقطن في حدود 75 ألف إلى 85 ألف عامل، فهذا ناقوس خطر يتهدد أمن واستقرار الأحياء السكنية الآمنة.

ولا يخفى على أحد أن تلك العمالة -وجلّها من الجنسيات الآسيوية- تتركز في أحياء المنامة القديمة، خصوصاً في المنازل القديمة التي هجرها أهلها وتم تأجيرها على العمالة الآسيوية.

القضية ليست سكن عمال في منطقة ما فحسب، بل ماذا سيترتب على هذه السكنى من مشكلات اجتماعية وأمنية وثقافية وحضارية جمّة، خاصة إذا وضعنا في الحسبان الاختلاف الكلي بين عادات وتقاليد المجتمع المحلي وعادات تلك العمالة الآتية من بلدان وجنسيات مختلفة.

هذا ناهيكم عن سلوكيات تلك العمالة التي يخرج بعضها عن الآداب العامة، وجميعنا يتذكر قصصاً كثيرة عن ذلك تداولها العامة ونشرتها الصحف وتشهد عليها محاضر النيابة العامة وأروقة المحاكم عن حالات تحرش وسرقة واستغلال وغيرها، وليس ذلك فحسب بل إن أهالي المناطق التي تسكنها تلك العمالة يشكون حتى من نوعية الأطعمة التي تطبخ في سكنهم وتصدر منها روائح غير مرغوبة.

إننا لا ننكر على تلك العمالة الحق في السكن وحقها في المسكن الملائم لإمكانياتها المادية، ولكن فليكن ذلك بعيداً عن مناطقنا وأحيائنا السكنية، وبعيداً عن أطفالنا الذين ما عاد أهليهم يأمنون عليهم ليلعبوا في الطرقات كما كان الأمر سابقاً أو أن يذهبوا حتى للبرادات القريبة.

ولاتزال المشكلة قائمة بقوة حتى مع فرض قانون إيجار العقارات الجديد رقم «27» لسنة 2014، تسجيل عقود الإيجار، إذ تنص المادة السادسة منه في الفقرة «أ»، أن: «تنشئ الوزارة «العدل والشؤون الإسلامية» بالاتفاق مع الوزارة المعنية بشؤون البلديات مكتباً أو أكثر في كل بلدية يسمى مكتب تسجيل عقود إيجار العقارات يختص بتسجيل عقود إيجار العقارات...».

كما قد ساهمت ظاهرة الإيجار من الباطن، وتحايل المؤجرين واستهتار بعض الملاك سعياً وراء المكسب الوفير في استمرار سكن العزاب كمجموعات كبيرة في العديد من المنازل والبنايات العائلية، مما يشكل إزعاجاً وقلقاً للأسر القاطنة بالقرب من هذه المجاميع.

* سانحة:

يومك لا يصنعه حادث غير متوقع، أو موقف «سخيف» مع أحدهم، ولا يصنعه حدس غريب بوقوع ما لا تحب، أو حتى وقوعه.. يومك تصنعه أنت بابتسامة هادئة ترسمها على محياك.. بصدق، وتفاؤل!

«يتبع».