الاختباء وراء اسم مستعار والمراوغة كي لا يعرف أحد صاحب هذا الحساب أو ذاك الذي اتخذ من وسائل التواصل الاجتماعي منصة للسب والشتم والتطاول على الآخرين ليس رجولة ولكنه تعبير عن الجبن والدونية، فهذه طريقة سهلة وليست من شيم الرجال لأن الرجال الذين يحترمون أنفسهم ويتصفون بالشجاعة لا يقبلون على أنفسهم الاختباء وراء جدر والاستعاضة به عن المواجهة التي هي ديدن الرجال الذين ليس من ديدنهم أيضاً السب والشتم والإساءة إلى الآخرين.

ولأن هذا السلوك لم يعد سلوك أفراد قليلين وصار ظاهرة لذا صار لا بد من وضع حد له واتخاذ القرار الذي يصعب على سالكي هذا الطريق المواصلة فيه لأنه يعرضهم لعقوبات فور اكتشاف أمرهم.

استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن المواقف والآراء لم يعد من الحريات ولم يعد من المنطق القول بأن هذه البلاد أو تلك تمنع حرية دخول هذه المواقع ونشر التغريدات، ولم يعد مقبولاً السكوت عن الذين يسيئون إلى الآخرين، أفراداً أو مؤسسات أو دولاً، بنشر التغريدات غير الموزونة بحجة الحرية الشخصية وبحجة أن وسائل التواصل الاجتماعي متاحة للجميع وتستوعب كل شيء.

البحرين لم تمنع أحداً من الاستفادة من هذه الوسيلة ولم تحاسب أحداً عبر عن رأيه من خلالها إلا لو أساء، وهذا يعني أن ما أعلن عنه وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة عن «اتخاذ إجراءات صارمة لمعالجة الانفلات غير المسبوق والفوضى الإلكترونية التي سببتها بعض حسابات التواصل الاجتماعي المخالفة وما تبثه من شائعات مغرضة تضرب في صميم النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي» ليس جديداً وأن الهدف منه هو حماية الوطن والمجتمع والمواطنين والمقيمين من عبث البعض واستهزائهم بالآخرين والسماح لأنفسهم باستغلال هذه الوسيلة للإساءة إلى كل من رغبوا الإساءة إليه معتبرين ذلك حقاً وحرية، أي أن قرار الداخلية قرار يرمي إلى تنظيم العملية وليس منعها، وهو أمر مطلوب وتشكر عليه، فمن غير المعقول السكوت عن الخروج عن الثوابت الوطنية والعادات والتقاليد المرعية، كما قال الوزير الذي نبه إلى أن «بعض حسابات التواصل الاجتماعي التي تم إنشاؤها أخيراً تداولت العديد من التجاوزات» وأنه وصلت حد الادعاء أنها «تدار من الديوان الملكي» الذي لا يمكن منطقاً أن تكون له أي صلة بهذا السلوك، مثلما لا يمكن منطقاً أيضاً أن يكون لأي جهة رسمية أخرى في البحرين أي صلة به.

الأمر الأكثر أهمية في موضوع منصات التواصل الاجتماعي هو منع «المهاترات الإلكترونية التي لا تقرها أعراف ولا تقاليد أهل البحرين الكرام» والتي وصفها الوزير بمعول الهدم الذي لا صلاح منه. لهذا فإن عاقلاً لا يمكن إلا أن يؤيد قرار وزير الداخلية وكل الإجراءات التي يتخذها في هذا السبيل، وقيام الأجهزة المعنية برصد تلك الحسابات بكل دقة، حيث يكفي أنها تنشر معلومات غير دقيقة من شأنها أن تبث الفرقة وتؤثر على تماسك الجبهة الداخلية ليتم محاسبة أصحابها كون ما يقترفونه يصنف في باب الجريمة.

ولأن القرارات في هذا الصدد -كما أعلن وزير الداخلية- صارمة وأنه سيتم تطبيق العقوبات المقررة بحق أي مخالف «حتى لو استدعى الأمر العمل على سن تشريعات جديدة» لذا فإن الإعلان عن أسماء المتورطين في هكذا جرائم ينبغي أن يكون حقاً للمجتمع بنشرها في وسائل الإعلام ليتم محاكمتها مجتمعياً أيضاً، فمن يتورط في مثل هذه الجريمة يعني أنه لم يعتدِ على القانون فقط ولكنه اعتدى على المجتمع والعادات والتقاليد والأعراف فصار من حق المجتمع أن يحاسبه بلفظه واتخاذ موقف منه، وهذا لا يتحقق إلا بالإعلان الصريح عن أسماء المتورطين.