يعاني المجتمع العربي من جملة تحديات تتمثل في غياب المشاركة في صناعة المستقبل وعدم القدرة على التجديد والعيش في الماضي وعدم القدرة على رسم خارطة للمستقبل من أجل التحول إلى مجتمع ما بعد الصناعة والإسهام في الفكر والابتكار بكافة أنماطه «الاجتماعي-التقني- المؤسسي». وهذه التحديات بحاجة ماسة إلى تجديد العمران الاجتماعي والعقد الاجتماعي وتوطين العقل التجريبي والعلم من أجل مجتمع مستدام.

ولعل من أسباب هذه المعضلات تكمن في الانفاق على الذات والانسحاب من دائرة التأثير الثقافي وغياب المعرفة المحلية والحضارية، وهذه هو نتيجة تدني مناهج التربية والتعليم وعدم قدرتها على بناء جسور للتواصل الحضاري. لذا يعد إصلاح التعليم بكافة مستوياته الخطوة الأولى نحو بناء مشروع للنهضة والتحول إلى مجتمع المعرفة والابتكار من أجل الاستفادة من ممكنات القوى وإيجاد حوار مجتمعي عبر الأجيال.

منذ أكثر من عقد على نشر المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الاستراتيجية العربية للتربية والثقافة والعلوم ولكن المتأمل لمؤشرات البحث والتطوير والعلوم في الوطن العربي يشاهد فجوة معرفية على صعيد النتاج العلمي وبراءات الاختراع ومؤشرات التنمية البشرية. لا يهمني هنا هي سير نمو أسباب المشكلة ومظاهرها ولكن ما يعنينا هو الشروع في ميدان العمل الميداني على بصيرة والتنفيذ من أجل تحقيق مؤشرات للنجاح في مجال الابتكار المستدام.

يمكن توصيف أهم ملامح الخلل في الثقافة العربية هو عدم الاهتمام بالعلوم وهيمنة اللغة والأدب على العقل العربي. وهناك قطيعة معرفية مع النتاج الحضاري العلمي إبان العصر الذهبي الذي نراه في هندسة بالعلوم المعمار وعلم الرياضيات والفلك عبر إسهامات الحسن بن الهيثم وابن سيناء وغيرهم.

لكن الاستجابة لهذه التحديات تتضمن تشخيصاً للأعراض وتصميماً للمشروع الحضاري، عبر إصلاح منظومة التعليم وهذا التشخيص يتضمن تحديدا لمؤشرات الإنجاز وتحديداً لمواطن النقص والخلل ويتضمن التصميم لإعادة بناء العقل والإنسان الحضاري ونموذج للتنمية المستدامة. وتشمل عملية البناء تجديد النظرة إلى مهنة التعليم و قياس فاعلية التربية في التحول لاجتماعي وتتضمن عملية البناء الاجتماعي ترسيخ قيم حضارية انسانية مثل حكم المؤسسات والتصنيع القائم عالى المعرفة والحكم الرشيد وحفظ كرامة الإنسان وتنمية إنسان عربي حر ومسؤول لتحقيق التنمية. مما لا شك فيه ان للجامعة دور حيوي في ظل العولمة ويكمن دور الجامعة في تنوير الخطاب العلمي من اجل فهم المجتمع العالمي والتحولات الكونية والاجتماعية وفهم عملية الترابط بين الثورة العلمية والثورة لتقنية والعلاقة بين النخبة والعامة.

ويمكن إجمال أولويات التحول إلى مجتمع المعرفة بجملة محاور تشمل أولاً تعليم اللغة العربية حيث إن وعي الزمن يمّكن الإنسان عن تطوير بصيرة معرفية. تشمل تعليم التفكير والخيال من خلال اللغة ويتم تحقيق التنمية العقلية والتواصلية مع الآخر. إن تكامل تعليم اللغة والعلوم والتاريخ ضروري لبناء الإنسان في عالم العولمة. ومع تنامي المعلومات وثورة الاتصالات يبرز أهمية التحليل الرمزي ضرورة الارتقاء بمهنة التعليم وتطوير حوافز للمدرسين في العلوم الإنسانية والاجتماعية لاستقطاب نوعية مميزة من الرأس مال البشري.

يلي ذلك إعادة دراسة الحضارات والتجارب الإنسانية حيث إن تجاوز ظاهرة الَفَصام التاريخي بين الحضارات ضروري لتعلم عظة التاريخ من التجارب الإنسانية عبر رحلتها نحو النهضة. كذلك إن فهم الدورة الحضارية و التحولات في الثورة الفرنسية والإتحاد الأوروبي وأمريكا في غاية الأهمية حتى يمكن للعرب من بناء اجتماعي يحاكي النماذج العالمية للتكامل الاقتصادي - العلمي - الاجتماعي. وللحديث بقية.

* رئيس قسم الابتكار وإدارة التقنية - جامعة الخليج العربي