قال الله تعالى «وجعلنا من الماء كل شيءٍ حي»، «سورة الأنبياء: الآية 30».

لو نظرنا إلى خارطة الحضارات القديمة، بل الموغلة في القدم، نجد أن تلك الحضارات قامت على ضفاف الأنهار والبحيرات الحلوة والعيون العذبة، والأراضي التي لا يوجد على سطحها شيء من المصادر المذكورة، عمد سكانها إلى حفر الآبار وصولاً إلى الماء الذي يشربون، ويسقون مواشيهم وجمالهم وخيولهم، وبالمجمل جميع ما يملكون من دواب لاستمرار الحياة، ولا ننسى الأمطار التي يسوقها الله سبحانه وتعالى إلى الأراضي الجرز، حيث تعمد تلك الشعوب إلى إنشاء سدود وبرك كبيرة لحفظ ماء المطر من موسم إلى موسم، وأشهر بئر عندنا في البحرين وأعمقه هو بئر الحنينية الواقع بين الرفاعين الشرقي والغربي «روضة الحنينية»، وما أدراك ما روضة الحنينية في جمالها وسندسها في الربيع في زمن مضى معطر بذكر سكانها جميعاً، وخاصة حاكمها المغفور له الشيخ سلمان بن أحمد الفاتح وقلعته التي بناها على حافة وادي الحنينية من جهة الشرق، حيث دامت خلافته وحكمه من عام 1795-1821، وهو رحمه الله تعالى الآمر بحفرها بإشرافه.

ومن أشهر السدود في الوطن العربي سد مأرب باليمن الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، ومن أشهر الشعوب التي تحفظ ماء المطر في برك كبيرة أهل الساحل الغربي من فارس الذي سكنته قبائل عربية، والذين أطلق عليهم «الحوله»، ونزح أقوام منهم إلى دول الخليج العربية واستقروا فيها من قديم الزمن، وأصبحوا جزءاً لا يتجزأ من شعب الدولة التي اتخذوها موطناً، بما يعني رجوع الفرع إلى الأصل.

وعودة إلى عنوان الموضوع، الدول العربية لن تعطش أبداً، دقق النظر في خارطة العالم، تجد أن كل دولة عربية من المشرق إلى المغرب، ومن الجنوب إلى الشمال، لها إطلالة بحرية، وإذا علمنا أن الماء الذي نشربه ويروي زرعنا والبهائم، هو أصله ماء بحر، قال تعالى «وجعلنا سراجاً وهاجاً وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجاً»، «سورة النبأ 13-14». أي أن الحرارة المنبعثة من الشمس التي تصل إلى الأرض بقدر، هي التي تبخر ماء البحر المالح بعد فصل الملح منه، وتحمله الرياح إلى العالي، فيتكثف وينزل علينا مطراً نستبشر به ويحيي الأرض والأناس والدواب والزروع، فتعالى الله علواً كبيراً كبيراً، وهناك دول تأتيها الأنهار من مكان بعيد مثل مصر من أواسط أفريقيا والعراق وسوريا من جبال تركيا.

إذن، مصانع التحلية التي صنعها الإنسان هي من وحي تلك الآية الكريمة، ومن أجل التنمية المستدامة يجب أن نستثمر ما نستطيع من مال في هذا الجانب الحيوي لتوفير مياه دائمة لنا وللأجيال القادمة، بتعاون القطاعين العام والخاص، وأقترح على المحافظة الجنوبية بقيادة سمو الشيخ خليفة بن علي بن خليفة آل خليفة، الموقر، تحويل موقع بئر الحنينية إلى معلم حضاري وتراثي يؤمه المواطنون والسياح الأجانب، وإعادة الحياة إلى سابق عهدها من حيث كيفية إخراج الماء، مع تزويد المكان بالاستراحات والتشجير والمطاعم والمرافق الأخرى الضرورية، والله الموفق.

* مؤسس نادي اللؤلؤ وعضو بلدي سابق وناشط اجتماعي