شهدنا خلال عشرات السنوات الماضية تزايد الاهتمام الدولي في تضمين مفهوم الاستدامة في التعليم، بغرض بناء جيل المستقبل، القادر على التعامل مع التنمية المستدامة، فنحن نعيش في زمن سريع التغير ويتسم بالمنافسة الحادة، وهذا يبرز أهمية التعليم وإعادة تشكيل مناهجه، حتى تنسجم مع الاحتياجات المجتمعية، وتتوافق مع المتغيرات التقنية والإعلامية، التي تشهدها المنطقة.

ولا شك في أن أساس الاهتمام بالتنمية المستدامة أنها الهدف الأساسي للمرحلة المقبلة، وهذا الهدف لا بد أن يبدأ بالاهتمام بالتعليم بمختلف مراحله وأركانه، خاصة القائمين عليه، من أساتذة وعاملين وأدوات التعلم وغيرها بهدف رفع قيمة المواطن، وزرع الاهتمام والولاء للبحرين ومستقبلها.

ويتمثل أحد الأهداف الاستراتيجية الرئيسة للاستدامة في التركيز على حياة الأجيال المستقبلية وجودة الحياة وبالتالي، إيجاد مجتمع قادر على التفهم والعمل لحماية مصادرنا الطبيعية، حيث تستلزم متطلبات الاستدامة المطبقة تثقيف جيل الشباب بطريقة تمكنهم من ممارسة دور قيادي لمواصلة استراتيجية الاستدامة. ويحتاج تطبيق التعليم من أجل التنمية المستدامة إلى استراتيجية محلية واضحة وتكون جزءاً من الشبكة العالمية التي تساعد في تحقيق هذا الهدف، حيث قامت العديد من البلدان في العالم بدمج الاستدامة في أنظمتها التعليمية، فهناك أعداد كبيرة من التجارب التي يمكن الاستفادة منها من أجل تحسين إمكانية التعليم لخلق جيل شباب جاهز لبناء قدرات معرفة استدامة عالية، ودعم ثقافة الاستدامة المحلية. فقد حولت التنمية المستدامة مركز اهتمام السياسات الاقتصادية من مجرد تحقيق النمو الاقتصادي – ممثلاً بنمو الناتج المحلي الإجمالي – إلى تحقيق التنمية بمفهومها الواسع الذي يأخذ في الاعتبار الحفاظ على الموارد الطبيعية والبيئة حيث تهدف التنمية المستدامة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، ليس داخل الجيل الواحد، بل بين الأجيال المتعاقبة.

ان التنمية المستدامة «هي عدم انخفاض مستوى الرفاهية عبر الزمن»، بمعنى أن أي نمط للتنمية يهتم بتحسين مستوى رفاهية الأفراد في الوقت الحالي على حساب مستوى رفاهيتهم في المستقبل، يعدّ نمطاً غير مستدام.

أي أن التنمية المستدامة تهدف إلى تعظيم النفع الصافي من التنمية الاقتصادية، مع مراعاة الحفاظ عبر الزمن على نوعية الموارد والخدمات البيئية ومستواها.

ويعتبر حق التعليم للجنسين أحد الأهداف الإنمائية للألفية، كما يؤكد تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بشأن التنمية البشرية على أن التنمية المستدامة لا يمكن اختزالها في البعدين الاقتصادي والسياسي، بل يجب كذلك مراعاة الأبعاد الثقافية والاجتماعية والإيكولوجية والإنسانية والروحية، مما يجعل دور التعليم حاسماً بقدر أكبر.

ويعدّ الحدّ من الفقر والقضاء على الجوع وتوفير التعليم للجميع وزيادة المستويات التعليمية للشباب وتعزيز المساواة بين الجنسين، بعض الأهداف التي تتيح في رأي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي المضي صوب تحقيق أشكال من التنمية المستدامة ويعتبر التعليم ومؤسساته أحد العوامل المؤثرة في عمليات النمو والتنمية الاقتصادية، حيث يُعدّ إسهام التعليم في التنمية من أهم القضايا الجوهرية التي عالجها علماء الاقتصاد والتربية، وتركز اهتمام الباحثين على العلاقة بين التعليم والتنمية وعوائدها على النمو الاقتصادي ودور القوى العاملة المدربة في ذلك.

ولعل دور التعليم ومؤسساته في عمليات النمو الاقتصادي والتنمية يتحدد بأساليب متعددة، منها بمقدور التعليم أن يقوم بدور رئيس في التحول المطلوب إلى مجتمعات أكثر استدامة بالتنسيق مع المبادرات الحكومية ومبادرات المجتمع المدني والقطاع الخاص. فالتعليم يصوغ القيم ووجهات النظر، ويساهم أيضاً في تنمية وتطوير المهارات والمفاهيم والأدوات التي يمكن أن تستخدم في خفض أو إيقاف الممارسات غير المستدامة.

ولا ينحصر دور التعليم المتعدد الأوجه في مجال الاستدامة في جانبه الإيجابي، إذ يمكن أن يعزز ممارسات غير مستدامة. ومن ذلك الاستهلاك المفرط للموارد، والإسراع في تآكل معارف السكان الأصليين وطرق عيشهم ذات الاستدامة النسبية. لذلك قد يتطلب الأمر تكييف التعليم وتحويله لضمان تأثيره الإيجابي فالتنمية المستدامة في ظل التعليم هي العمليات التى بمقتضاها توجه الجهود لكل من الأهالي والحكومة لتحسين الأحوال الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية فى المجتمعات المحلية لمساعدتها على الاندماج فى حياة الأمم، والإسهام فى تقدمها بأفضل ما يمكن. إذن التنمية بمفهومها العام، تتضمن تطوير الأرض، والمدن، والمجتمعات، وكذلك الاقتصاد، والأعمال التجارية، والمشروعات، والأنشطة، واستهلاك الموارد، وما يصحب ذلك من زيادة فى عمليات الإنتاج فى المجالات المختلفة.

* محلل في الشؤون الاقتصادية والشؤون السياسية