نواصل في الجزء الثاني من المقال عن الثقافة والعلاقات الدولية. حرصت الصين منذ أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين على إحياء فكر وفلسفة كونفوشيوس وخاصة مفهوم التناغم بين الدول والشعوب والتفاهم والتعاون والنظرة للطبيعة البشرية باعتبارها طبيعة خيرة تسعى للتعاون والتفاهم وليست طبيعة شريرة تتجه للصراع والعداء والسيطرة على الآخر كما ردد ذلك بعض العلماء الغربيين وخاصة في نظرتهم للحضارتين الصينية والإسلامية.

وضرورة تغيير النظرة للتاريخ وأثره في تطور علاقات الدول وضرورة أن تتحول إلى نظرة تعاونية وليست نظرة عدوانية وتوسعية كما حدث مع الحضارة الغربية فيما عرف بالظاهرة الاستعمارية. وأوضحت الأستاذة كاترين مون Katherine Moon الأمريكية من أصل كوري ضرورة النظر للتاريخ كأحداث قديمة، وهو مصطلح ماضوي، وهو ليس حقيقة معاصرة قائمة وأهمية النظر للمستقبل، وليس العيش والبقاء في الماضي. وأشارت إلى أن بعض الدول عندما تتحدث عن التاريخ تعني أنه حدث ينتمى للماضي بخلاف دول أخرى عندما تتحدث عن التاريخ فهي ترى فيه حقيقة قائمة، ومؤثرة في الحاضر، والمستقبل، وفى تقديري أن هذا لا يعنى تجاهل تاريخ الشعوب ولكن يعنى ضرورة التخلي عن النظرة السلبية له وعن آثاره العدوانية في حضارات الماضي والتوجه للمستقبل لأهمية النظرة الإيجابية واعتباره حدثاً ينبغي الاستفادة منه واستخلاص الدروس للتوجه للمستقبل ودعمه وتطويره في علاقات الدول والشعوب بعضها البعض.

وفى الشرق الأوسط نجد بعض الدول تعيش في الماضي وتسعى لإحيائه مثال إيران التي تسعى لإحياء العصر الفارسي وسيطرته على مناطق عدة. وكذلك إسرائيل التي تسعى لإسرائيل الكبرى وبعض الدول الإسلامية مثل تركيا أرودغان" التي تسعى لإحياء الخلافة العثمانية وهي بذلك تعيش في ثوب الماضي القديم والحضارة الإسلامية التي لم تكن تعبر عن الإسلام ولكنها عبرت عن تاريخ المسلمين وأوضاعهم.

وبالتالي ينبغي الفصل بين الإسلام والإرهاب وأن المتطرفين من المسلمين لا يعبرون عن روح الإسلام وجوهره وقيمه الإنسانية والفلسفية والسياسية.

ومن الضروري إحياء القديم فى إيجابياته وليس في سليباته لأن ذلك يتعارض مع طبيعة مسيرة الكون والعلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين، الذي يرفع دعوات التعاون والتفاهم والحوار بين الحضارات والأديان ومواجهة أعداء الإنسانية مثل التغير البيئي والمناخي وتراجع احتياطي الموارد الطبيعية ومواجهة الفقر والجهل والمرض.

وبالتالي ضرورة الاهتمام بالمستقبل وليس الانغماس في الماضي الذي لا يخدم الأهداف الحقيقية للإنسانية ولا لأية دولة..

إن مفهوم التاريخ عميق الجذور في عدد من الحضارات القديمة. وإحياؤه هو إحياء إيجابياته وليس سلبياته. وضرورة تطوير المفاهيم الثقافية مثل التعاون والتسامح والحوار والتفاهم بين الشعوب والدول، وإن السياحة والتبادل الثقافي هما أهم أدوات بناء علاقات دولية مستقبلية.

فكر كونفوشيوس له جوانبه الإيجابية مثل التفاهم والتناغم والفضائل الأربع ولكن له جوانبه السلبية مثل الترويج للإقطاع والاستغلال والاستبداد وامتهان المرأة وذلك كله نتيجة تأثره بالفكر والتراث الثقافي الصيني القديم عبر العصور التي سبقت مولد كونفوشيوس.

وكذلك الفكر في العصور القديمة سواء في الشرق الأوسط أو أوروبا أو آسيا وهو ما ينبغي التخلي عنه لمصلحة الفكر المعاصر والثقافة المعاصرة وإقامة علاقات دولية بفكر مستقبلي تعاوني وليس بفكر ما ضوى توسعي واستبدادي وعدواني.

ومن الضروري الترويج في العصر الحاضر لبناء المستقبل على الأسس الثقافية التالية:

1- التعدد والتنوع الثقافي Cultural Diversity .

2- التعاون وتبادل المنافع Cooperation and Mutual Benefit

3- المكسب المشترك للجميع Win/ Win Theory.

4- الاعتماد المتبادل Interdependence.

5- العولمة الإيجابية Positive Globalization.

6- البحث عن القواسم المشتركة وليس نقاط الخلاف والصراع Commonalities Not Conflict and Differences..

7- الاستفادة من حضارات الدول الأخرى وثقافاتها مع احترامه الحضارات للآخرين.

إن أبرز أسباب أزمات الشرق الأوسط تتمثل في:

* التفكير الماضوي والسعي لاستعادته "إيران ـ تركيا ـ إسرائيل. وما تراه تلك الدول تاريخياً فهو الآن مرتبط بالسياسات التوسعية والعدوانية لتلك الدول في التاريخ القديم".

* النظرة الاستعلائية التوسعية الغربية لاحتلال الدول الأخرى والتخلي عن معاهدة وستفاليا عام 1648 حول مبدأ السيادة واحترامها وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى والأخذ بمبدأ فصل الدين عن الدولة.

* مساعد وزير الخارجية الأسبق للتخطيط السياسي وسفير مصر الأسبق في الصين وخبير الدراسات الصينية والدراسات الاستراتيجية