هي حقاً مشكلة نشعر بها ونتلمسها كثيراً في واقعنا المعاش، لا وجود للرأي ولا القرار ولا حتى الموقف، ننجرف نحو آراء الآخرين ونتبنى مواقفهم دون تفكير أو تمعن، والدلائل والشواهد على ذلك كثيرة، ففي مواقع التواصل الاجتماعي ترى بأن التعليق الأول على أي منشور هو من يؤثر على آراء المتابعين، فتجد أن التعليقات ابتعدت كثيراً عن موضوع المنشور وتأثرت بالرأي الأول.

الأمر الآخر أن الناشطين في مواقع التواصل وأعني هنا من يقضون الساعات يتجولون بين حساب وآخر وموقع إلكتروني وموقع آخر يقدمون رأيهم دون سابق معرفة ولاخبرة في موضوع النقاش، فترى تعليقاتهم في الطب وفي المجال السياسي والرياضي والهندسي ويتحدثون عن القوانين والتشريعات ويفتون في الدين ويحللون في مواقف الدول ويتجهون أحياناً إلى تخصصات لايفقهون بها ولا يعلمون منها سوى ما يقرؤونه عنها، وتلك الفئة تنقسم إلى قسمين، القسم الأول تائه وسطحي يعلق لمجرد التعليق والتواجد في جميع الحسابات لربما بغرض الشهرة أو بغرض زيادة المتابعين وتلك الفئة هي من يجب الأخذ بيدها وتبيان خطورة مايقومون به عن جهل وسذاجة.

الفئة الأخرى أو القسم الثاني هي الفئة التي تملك أهدافاً ورؤية ولكنها أهداف خبيثة ورؤية هادمة تتصيد في الماء العكر وتستغل سذاجة القسم والفئة الأولى لتساهم في صناعة رأي عام يتجه في الطريق الذي تريده هذه الفئة المسيسة، فهي تتلاعب بالكلمات وتتبع فلسفة متطورة في الكتابة وتتواجد عبر فرقها بكثافة في مواقع التواصل الاجتماعي وتسرع لكي تكون هي أول من يعلق على المنشورات لكي تأتي بعدها التعليقات متأثرة بها وتسير في الطريق التي رسمها التعليق الأول.

كنا نعاني ولازلنا في وجود الهواتف في أيدي الأطفال، ولكن مشكلتنا اليوم وجود الهواتف في أيدي الكبار الذين يتأثرون وباتوا يؤثرون سلبياً، وينجرفون خلف فئة تعمل ليل نهار عبر فرق منظمة لخراب الوطن وهدم منجزاته عبر خطط تتجدد كل يوم.

لذا فإن المشكلة التي يجب أن نعمل على حلها بأننا بلا رأي، ولكي يكون لنا رأي يجب أن نتأنى في أي تعليق نكتبه أو نصرح به، لابد من مراجعة أي منشور من كافة الزوايا حتى نتمكن من التعليق، ولابد من عدم التأثر بأي تعليق يكتب حتى لا نكون كالقطيع نسير خلف الذئب الذي يقودنا لنهايتنا.

باختصار لا تتسرعوا في الحكم على الأمور بل في التأني السلامة، فأعداء الوطن كالثعابين يغيرون جلودهم بغرض الانقضاض على فريستهم، وكالحرباء التي تغير لونها حتى تتوغل بيننا لكي تفسد صفو حياتنا وتنال من مكتسباتنا، ضعوا البحرين أمامكم قبل أي تعليق على أي موقع، وتأكدوا من التعليق الأول..