بقلم - رائد دكتور عبدالله ناصر البوفلاسة

ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي في أن يصبح العالم قرية صغيرة، نظرًا لسهولة انتقال المعلومات والتواصل عن طريق التقنيات الحديثة، فاختلطت الثقافات وتداخلت الأفكار، ولذلك آثار إيجابية. ولكن في المقابل، له آثار سلبية خطيرة عندما يساء استخدامها.

وتؤدي إساءة استخدام تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي إلى تسخيرها في ارتكاب الجرائم. حيث يحرص الجاني كل الحرص على الاستفادة منها لتنفيذ مشروعه الإجرامي، ما يؤدي إلى ظهور صور جديدة للجريمة الإلكترونية، أبرزها التحريض الإلكتروني، لا سيما باستخدام تلك الوسائل التي من خلالها يستطيع المحرض أن يصل للنتيجة الإجرامية من تحريضه بمجرد ضغطة زر. وهذا ما جعل من تلك الوسائل قوة ناعمة لا يستهان بها، وسلاحا فتاكا لارتكاب الجرائم التي يصعب مواجهتها والقضاء عليها بسهولة. إذ أضحت وسائل التواصل الاجتماعي من الأدوات الأساسية المستخدمة في التحريض الإلكتروني على ارتكاب الجرائم.

ويعرف التحريض على ارتكاب الجريمة بأنه "خلق فكرة الجريمة في نفس الجاني، وخلق التصميم عليها ودفعه إلى تنفيذها بأية وسيلة". وأما التحريض الإلكتروني فهو لا يختلف كثيرًا عن التحريض التقليدي، ويمكن أن نميزه بأنه يتم عن طريق استخدام الوسائل الإلكترونية، ومنها وسائل التواصل الاجتماعي، فالتحريض الإلكتروني هو النسخة الإلكترونية من التحريض التقليدي، ويتميز عنه في جوانب عديدة، نذكر منها الآتي:

1- له تأثير أقوى من التحريض التقليدي، حيث تستخدم المؤثرات الصوتية والمرئية والصور والفيديو في تعزيز دور المحرض لتنفيذ مشروعه الإجرامي.

2- التحريض عبر الوسائل الإلكترونية أدق وأسرع وأقل تكلفة بكثير من التحريض بالوسائل التقليدية، ما يساعد المحرض في الوصول إلى أكبر قدر من المستجيبين لأفكاره التحريضية.

3- أثره متعد، حيث يصل إلى أكثر من دولة بمجرد ضغطة زر، حيث يمكن أن تقع الجريمة من الجاني في دولة على مجني عليه في دولة أخرى.

4- يمكن للمحرض الإلكتروني أن يتخفى عن الموجه له التحريض خلف الأجهزة الإلكترونية والحسابات الوهمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن المحرض التقليدي غالبا ما يحرض غيره من خلال المواجهة المباشرة.

5- المحرض الإلكتروني يستطيع القيام بالعديد من الأدوار، حيث يمكن أن يكون السائل والمجيب، أو الناقد والمتداخل، أو المؤيد والمعارض، ما يساعده في تعزيز ما يحرض عليه، وقد يدعو الغير لنشر رسالته أو فكرته التحريضية، فيصبح متلقيها محرضا من حيث لا يعلم.

وهذا ما يؤكد أنه لمواجهة التحريض الإلكتروني أهمية بالغة من الناحية القانونية، فالتحريض الإلكتروني له أبعاد قانونية متشعبة، وله أضرار بالغة الأثر على المجتمع، وأهمها ارتفاع نسبة ارتكاب الجريمة، والتي تعتبر اعتداء على أمن المجتمع واستقراره، وغالبا ما يتجه مرتكبها إليها بنفسه، ولكن يتعاظم الخطر ويزداد الضرر إذا ارتكبها بناء على حث غيره وحضه عليها، وذلك بتحريضه على ارتكابها، فالمحرِّض غالبا ما يكون بعيدًا عن الأضواء ولا يعلم عنه أحد، ويحرض على الجريمة عن بعد ويحقق هدفه بخلق فكرة الجريمة لدى غيره ليدفعه لارتكابها. وقد جرم المشرع البحريني التحريض كصورة من صور المساهمة الجنائية، حيث يعد شريكا في الجريمة من حرض على ارتكابها فوقعت بناء على هذا التحريض، ويعاقب بعقوبة الجريمة التي حرض عليها. وتأسيسا على ما تقدم، أوصى المشرع البحريني أن يعتبر استخدام شبكة المعلومات العالمية "الإنترنت"، أو أي نظام معلوماتي أو إلكتروني في ارتكاب الجريمة ظرفا مشددًا للعقوبة، ولا سيما إذا كانت الجريمة مرتكبة بوسائل التحريض الإلكتروني، وذلك لتحقيق الردع بشكل أكبر فيما يتعلق بالجرائم التي تتم باستخدام الوسائل الإلكترونية، لما لتلك الوسائل من خطورة في الإضرار بأمن الدولة في حال استخدامها لهذا الغرض، نظرًا لما تتسم به تلك الوسائل من سرعة واسعة الانتشار، وذلك من خلال إضافة مادة في القانون رقم "60" لسنة 2014 بشأن جرائم تقنية المعلومات تنص على اعتبار استخدام الوسائل الإلكترونية في ارتكاب الجريمة ظرفًا مشددًا.

* الشؤون القانونية بوزارة الداخلية