هناك طفرة في أنماط الاستجابة الروسية للتحدي الغربي، فقد طلب بوتين من وزير الدفاع الروسي ورئيس الأركان العامة للجيش بوضع كافة قوات الردع النووي ضمن «نظام خاص للخدمة القتالية»، فهل هي قناعة أن الغرب قابل للابتزاز، أم إنها عقيدة قتالية جديدة؟ في تقديرنا أنها أبعد من ذلك، ليس بعداً مستقبلي للأمام بل عودة للماضي فالرئيس بوتين مصاب بمتلازمة الحنين Nostalgia ويغلفها بغلاف الوطنية، ويمكن ملاحظة ذلك داخل روسيا بإجراءات إدارية كالعودة إلى شعار القياصرة «النسر ذو الرأسين»، بصلبانه المتعددة، في حركة رمزية تمثل الحنين للماضي الانتماء للكنيسة الأرثوذكسية، والفخر بعصر روسيا الذهبي، أيام القياصرة. بالإضافة إلى إقرار البرلمان الروسي بأغلبية كبيرة عودة النشيد الوطني السوفيتي القديم الذي يرجع تاريخه إلى عهد ستالين، كما أقر عودة علم روسيا القيصرية. أما خارج روسيا ففي العودة لإحياء عقيدة بريجينيف وهي سحق أية نظام غير موالي لروسيا في الدول التابعة لموسكو، وكان خير تطبيق لهذه العقيدة هو ربيع براغ 1968، ففي الجمهورية التشيكوسلوفاكية، حاول الإصلاحي ألكسندر دوبتشيك أن ينهج اتجاهاً إصلاحياً أقرب للديمقراطية، سماه «الاشتراكية ذات الوجه الإنساني». فانتهت حركته في 21 أغسطس 1968، باجتياح عسكري للبلاد من طرف قوات حلف وارسو، بقيادة الاتحاد السوفيتي. وبوتين تتلبسه النوستالجيا Nostalgia فيحن لبريجينيف ويجتاح أوكرانيا التي حاول ممثل هزلي أن يضمها للغرب. ثم تزداد حالة بوتين حدة فيتلبسه الحنين لعهد نيكيتا خروتشوف وتكرار حافة هاوية بدأت 8 أكتوبر 1962، عندما أظهرت صور استطلاع أمريكية وجود قواعد صواريخ سوفيتية نووية تحت الإنشاء في كوبا في خاصرة أمريكا التي أعلنت أنها لن تسمح بتسليم أسلحة هجومية لكوبا، وطالبت السوفيت تفكيك قواعد الصواريخ، وهدد كينيدي بإغراق السفن التي تنقل الصواريخ، فرفض خروتشوف وقف السفن، وقبيل المواجهة، وعبر قنوات سرية توصل الطرفان لإزالة قواعد الصواريخ الكوبية نظير تخلص أمريكا بشكل سري من الصواريخ البالستية في تركيا.

بالعجمي الفصيح

حنين بوتين يقابله مثله من جنرالات أمريكيين تتلبسهم المبالغة في العداء لروسيا، وقد حافظت إدارة بايدن على منسوب العداء وتجديد عقيدة جوهرها إعادة الاعتبار إلى ريادة واشنطن عالمياً، باستحضار ما يعدّه استراتيجيو السياسة الأمريكية «ترسيخ عقيدة الردع النووي والقصف الاستراتيجي» وهذا هو المقلق.