م. صبا العصفور



حكاية ملهمة أخبرني بها أحد الأصدقاء القدامى -كثير الانشغال بالقراءة والبحث رغم صعوبة حالته الصحية-، بأنه تعلّم درسه الأول عن أهمية استثمار الوقت من الفنان صالح الصايغ الشهير بالحجي بن الحجي، ولمن لا يعرفه هو أحد أوائل الفنانين الكوميديين القدامى في البحرين، صاحب العبارة الشهيرة عبر إذاعة البحرين «وره اللّيت الأخضر.. اشتغل الشريط».
(الليت: مصباح باللهجة الدارجة مشتقة من الكلمة الإنجليزية لايت).

والحجي بن الحجي كان زميله في شركة نفط البحرين «بابكو» خلال تسعينات القرن الماضي، حيث يرافقه في رحلة الذهاب والإياب يومياً، وكان يعجب من نشاطه الدائم مع كبر سنه، فهو يستيقظ أيام الدوام الرسمي الساعة الخامسة صباحاً، بينما في الإجازات الساعة الرابعة صباحاً، لأن الإجازة هي وقته الخاص ويجب الاستفادة منها لأقصى حد.

آباؤنا وأجدادنا، الرعيل الأول من روّاد النهضة في البلاد كانوا متعددي المواهب، وأغلبهم يشغل أكثر من مهنة ليس دائماً بهدف زيادة الدخل المادّي وإنما لكراهة الكسل وقلّة الحركة، فحتى من يعمل في وظيفة إدارية صباحاً لابد له من عمل آخر مساءً، وإضافة إلى وظائفهم فقد أسسّوا الأندية الثقافية والرياضية والفنيّة والجمعيات التطوعية والنقابات العمّالية، علاوة على حرصهم باستمرارية الحرف اليدوية القديمة كالزراعة وصيد السمك، والحديثة كالسباكة والميكانيكا والكهرباء، وبعد تقاعدهم قلّما سمعنا عمّن أصابه العجز والخرف منهم.

كان منظورهم للعمل عبادة، والانشغال بما هو مفيد وعدم هدر الوقت ثقافة عامة، حتى مبدأ التسلية والترفيه لم يخلُ من القيم، فكثيراً ما يتمّ افتتاح دار سينما ويكون ريعها لدعم الكفاح الفلسطيني ضد الاحتلال أو لإصدار جريدة إخبارية ومجلة ثقافية وغيرها، فمنهم تعلمنا أهمية استثمار الوقت وتفعيل العقل وإنتاج الفكر مما له أثر في تطوير وعي المجتمع، لنكون كالإشارة الخضراء أو الليت الأخضر، التي تسمح بالمرور لمزيد من الفائدة والتنمية.
فتحية للرواد الأوائل الذين كانوا شريطاً من العمل الدؤوب وراء كل «ليت أخضر» مازال يبث الطاقة ليبقى مشتعلاً إلى يومنا هذا.