بقلم: د. حبيب النامليتي




يقول الله سبحانه وتعالى: (لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284) آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [البقرة: 284-286].

الله الذي خلق الكون، وهو مالكه والمتصـرف فيه، وهو خالق الإنسان، العالم بطبيعة خلقه، وأسرار صنعته، وما يكنه في صدره؛ لذلك جاءت الأحكام التشريعيـة، والتكاليف الربانية، والمحاسبة على الأعمال بما لا يخرج عن قدرة الإنسان، فالآيات تبين أن من يضمر في قلبه النفاق والشـر؛ فالله مطلع على ما في قلبه، عالم بخفايات نفسه، وهو يغفر للمذنبين، ويعذب المصرين المعاندين.

ثم تبين الآيات اتصال هذه الشـريعة بما سبق من الشـرائع، والاتفاق على المبادئ الكليـة؛ الإيمان بالملائكة والكتب والرسل وهي أركان الإيمان، فالمؤمن يصدق ويحترم جميع الأنبياء السابقين، والرسالات المتقدمة، إبراهيم وذريته، وداود وسليمان وموسى وعيسـى عليهم السلام، وغيرهم ممن نعرفهم وممن لا نعرفهم، ولا يرتضـي المسلم الانتقاص من أي نبي تحت أي حجة من الحجج.

إن علم الله بالسرائـر لا يلزم منه أن يحاسب الإنسان على خواطره؛ لأنها متغيرة وخارجة عن إرادته، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما اكتسبت من الخير، وعليها ما اكتسبت من الشـر، ففي الحديث المتفق عليه: (إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لي عن أُمَّتي ما وسْوَسَتْ به صُدُورُهَا، ما لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ)، وكذلك من طبع الإنسان النسيان والخطأ، وهما أيضا يتجاوز عنهما الله، والخطأ والإكراه والنسيان أسقطه معبودنا الرحمن، فمن أكل أو شرب ناسيا في رمضان فإنما أطعمه الله وسقاه.

ثم جاء الدعاء بسؤال الله أن لا يحملنا ما لا نطيق مما كُلِّفت به الأمم السابقة، ولا من التكاليف الشاقة الزائدة عن المعتاد، ثم سؤال الله العفو والصفح والرحمة، والانتصار على الكافرين.

إنّ من فضل هاتين الآيتين ما رواه أبو مسعود عقبة بن عمرو رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: (مَن قَرَأَ بالآيَتَيْنِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ في لَيْلَةٍ كَفَتاهُ). رواه البخاري، أي: كفتاه من جميع الشـرور؛ لما احتوت عليه من المعاني، وما فيها من دعاء، فنسأل الله أن يعفو عنا وأن يرحمنا.