قبل 7 أكتوبر 2023، كان الاقتصاد الإسرائيلي يتمتع بنمو مستقر؛ حيث شهد قطاعا التكنولوجيا الفائقة والسياحة ازدهاراً ملحوظاً.

ومع ذلك، فإن تداعيات الحرب التي اندلعت لاحقاً مع «حماس» ومؤخراً مع «حزب الله»، أحدثت تأثيرات سلبية عميقة. فقد أدت الأوضاع الأمنية المتدهورة إلى زيادة كبيرة في التكاليف العسكرية، وانخفاض ملحوظ في معدلات الاستثمار، وتراجع التصنيف الائتماني، مما أسفر عن تدهور عام في النشاط الاقتصادي.

وبالتالي، لم يعد الاقتصاد الإسرائيلي بعد عام من الحرب كما كان؛ بل دخل مرحلة جديدة مليئة بالتحديات الاقتصادية المعقدة؛ حيث تقدر التكلفة الإجمالية للحرب حتى الآن بنحو 95 مليار دولار، وهو ما يمثل نحو 18 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي.

كان الاقتصاد الإسرائيلي في وضع قوي؛ حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي السنوي للفرد بنسبة 6.8 في المائة في عام 2021، و4.8 في المائة في عام 2022، مما يفوق بكثير معظم الدول الغربية. ووصلت احتياطياته من العملات الأجنبية إلى 200 مليار دولار، وحقق فائضاً في ميزان المدفوعات بلغ 20 مليار دولار. كما كانت مرونته المالية واضحة من خلال تقديم قروض عالمية تصل إلى 200 مليار دولار. محلياً، حققت إسرائيل نسبة توظيف كاملة، وكان مستوى الدين العام منخفضاً نسبياً عند 61 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وكان من المتوقع أن يدور العجز المالي لعام 2023، في حال عدم اندلاع حرب، حول 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

أدت الحرب الحالية إلى تدهور الشعور بالأمن على الحدود، مما أثر سلباً على موازنة الدفاع. تُقدر النفقات المباشرة للحرب، العسكرية والمدنية، بنحو 180 مليار شيقل (48.37 مليار دولار) من الربع الأخير من 2023 حتى نهاية 2024، مما يؤدي إلى عجز كبير في موازنة 2024 يُقدّر بنحو 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

وازدادت الديون العامة ونفقات الفائدة، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف التعبئة الاحتياطية واستهلاك الذخائر والوقود والغذاء وقطع الغيار. ففي عامي 2023 و2024، زاد الدين نتيجة ارتفاع العجز بسبب الحرب بنحو 175 مليار شيقل (47.02 مليار دولار).

وبحلول عام 2025، ستضطر إسرائيل لدفع 7 مليارات شيقل (1.88 مليار دولار) إضافية في نفقات الفائدة مقارنة بعام 2024، ومن المتوقع أن تصل هذه القيمة إلى 10 مليارات شيقل (2.69 مليار دولار) في عام 2026.
تشير التقديرات إلى أن خسارة الناتج المحلي الإجمالي منذ بداية الحرب حتى نهاية 2024 ستبلغ نحو 17 مليار دولار. النفقات المستمرة للدفاع والخدمات المدنية تُقدر بنحو 45 مليار دولار، في حين من المتوقع أن تصل تكلفة إعادة تأهيل المباني والبنية التحتية والشركات الصغيرة إلى نحو 20 مليار دولار.

وتقدر تكلفة إعادة تأهيل المعدات العسكرية وتجديد المخزونات بنحو 15 مليار دولار. وحتى سبتمبر 2024، أسفرت الحرب عن وفاة 1630 جندياً ومدنياً، وإصابة نحو 6000 شخص، وتُقدر تكاليف إعادة تأهيلهم وتعويض عائلاتهم بنحو 15 مليار دولار.

وتسببت الحرب مع «حماس» في تفاقم المخاطر الاقتصادية بسبب غياب سياسة اقتصادية ملائمة. تركِّز الحكومة على القطاعات غير المنتجة. وزيادة نفقات الحرب أدت إلى تصعيد حالة عدم اليقين المحيطة بموازنة 2025، مما زاد من مخاطر الاقتراض وصعوبات إعادة التضخم إلى مستوياته المستهدفة. ونتيجة لذلك، ارتفعت مخاطر الركود التضخمي، وهو تحدٍّ كبير للسياسة الاقتصادية. ووفقاً للبيانات الرسمية، تسارع التضخم في أغسطس (آب) بشكل أكبر من المتوقع؛ حيث بلغ معدل التضخم السنوي 3.6 في المائة، وهو الأعلى منذ أكتوبر، متجاوزاً هدف الحكومة بين 1 و3 في المائة للشهر الثاني على التوالي.

وفي ظل هذا القدر الكبير من عدم اليقين، فإن أسعار الفائدة المرتفعة التي يفرضها بنك إسرائيل، والتي تصل إلى 4.5 في المائة تخنق النمو، وتجعل من الصعب على الأسر تلبية التزاماتها، مثل أقساط الرهن العقاري.
كما تفاقمت المشكلات التي كانت تعاني منها إسرائيل قبل 7 أكتوبر، مثل نقص البنية التحتية، وانخفاض الإنتاجية، وارتفاع أسعار السكن. كذلك انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.1 في المائة في الأسابيع الأولى من الحرب، وتواصل الانخفاض في 2024 بتراجع قدره 1.1 في المائة، و1.4 في المائة في الربعين الأولين.

في يوليو 2024، خفض بنك إسرائيل توقعاته للنمو إلى 1.5 في المائة، بعد أن كانت 2.8 في المائة في بداية العام. وفي سبتمبر، توقعت وكالة «ستاندرد آند بورز» نمواً صفرياً لعام 2024، وعجزاً بنسبة 9 في المائة نتيجة لتصاعد النزاع مع «حزب الله».

وعلى الرغم من تمكن الاقتصاد الإسرائيلي من التكيف مع أزمة «كوفيد-19» بفضل هيمنة قطاع التكنولوجيا الفائقة الذي يمثل 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، فإن الحرب الحالية تختلف عن أزمة الجائحة؛ حيث تؤثر بشكل مستمر على الاقتصاد بدلاً من أن تكون مؤقتة. النظام المالي والتصنيف الائتماني بعد 7 أكتوبر، انخفضت قيمة الشيقل إلى نحو 4 شياقل لكل دولار.

وأعلن بنك إسرائيل عن استعداده للتدخل في سوق العملات الأجنبية بتخصيص حتى 30 مليار دولار من احتياطياته، مما ساهم في استقرار سعر الشيقل.

وفي أكتوبر 2023، باع البنك نحو 8 مليارات دولار لضمان نشاط سوق الصرف.