العين الإخبارية


لم تكن قضية الدبلوماسي الإيراني، أسد الله أسدي، مجرد حكم بالسجن فقط على خلفية تورطه بالإرهاب، فما خُفي كان أعظم في التفاصيل.

في التفاصيل يُزاح الستار عن الحقائق، فالرجل لم يكن عاديا، ولم يلتزم فقط بعمله الدبلوماسي كمستشار ثالث في السفارة الإيرانية في فيينا، بل كان قائد شبكة جواسيس قوية في القارة الأوروبية.

والخميس الماضي، قررت محكمة بلجيكية، سجن أسدي 20 عاما، بتهم الشروع في القتل والتخطيط لهجوم إرهابي استهدف تجمعا للمعارضة بالعاصمة الفرنسية، في ضربة قوية لطهران.


وكان أسد الله يخطط بالتعاون مع زوجين بلجيكيين منحدرين من أصول إيرانية، لتفجير اجتماع للمعارضة الإيرانية في باريس، أواخر يونيو/حزيران 2018.

"دفتر الملاحظات"

قلما يدون رجل بخطورة أسدي، أو أي عميل استخبارات، أيا من التفاصيل عن طبيعة عمله على ورق، لكن الدبلوماسي الإيراني كان له رأي آخر، إذ عثرت السلطات الألمانية في سيارته وقت اعتقاله في يوليو/تموز 2018، على دفتر ملاحظات يحوي معلومات خطيرة.

ووفق ما طالعته "العين الإخبارية" في مركز "مينا واتش" البحثي النمساوي الخاص، فإن الدفتر يحتوي على تفاصيل عن شبكة أسدي في أوروبا.

ويشرح أسدي في دفتره كيف كان يلتقي عملاء شبكته في 289 موقعا في 11 دولة أوروبية، إذ كان رئيسا للمكتب الأوروبي في وزارة الاستخبارات الإيرانية.

ومن بين 289 موقعا التقى فيها عملاءه في هذه الدول الأوروبية، اختار الدبلوماسي 68 موقعا سياحيا في الهواء الطلق وكأنه لا يخشى رصد هذه اللقاءات، و53 متجرا و44 مطعما و23 فندقا.

وعلى الرغم من أن أسدي كان مقيما في النمسا إلا أن 38 موقعا فقط خصصها للقاءاته مع العملاء كانت في الأراضي النمساوية، فيما كانت حصة ألمانيا 114 موقعا، وفرنسا 42 موقعا، فيما توزعت باقي الـ289 على دول عدة أبرزها إيطاليا وهولندا والسويد وسويسرا ولكسمبورغ.

دانيال

لم يكن أسد الله أسدي يتعامل مع شبكة العملاء باسمه الحقيقي، بل كان يستخدم اسما مستعارا هو "دانيال".

وقال الزوجان البلجيكيان المتهمان في قضية الهجوم الفاشل في باريس في التحقيقات إن الاستخبارات الإيرانية جندتهما في 2007، وكانا يقدمان معلومات دورية عن المعارضة في المنفى.

وأضاف الزوجان "سافرنا بالطائرة كثيرا إلى ميونيخ ومنها انتقلنا بالقطار إلى سالزبورج في النمسا ثم فيينا، للقاء دانيال، وهو الاسم الكودي لقائدنا".

كما عقد الزوجان لقاءات أخرى مع "دانيال" لكن في ميونيخ، وتسلما مبالغ مالية قدرت أحيانا بمئات اليوروهات، وأحيانا أخرى بآلاف اليوروهات.

لكن التحقيقات كشفت مفاجأة أخرى، إذ أقر الزوجان أنهما سافرا مرتين لطهران قبل الهجوم المخطط له في باريس، وخضعا للتدريب.

ووفق معلومات جهاز المخابرات البلجيكي، كان "دانيال" يقود شبكة الاستخبارات الإيرانية في أوروبا الغربية، ويركز بشكل خاص على المعارضة الإيرانية في المنفى.

وتحت قيادته، قامت الاستخبارات الإيرانية بقتل معارض إيراني بالرصاص في شوارع هولندا عام 2017.

لعبة هواة

ومؤخرا، زار رضا لطفي، مسؤول إيراني كبير في إيران يعمل كحلقة وصل بين وزارة الداخلية ووزارة الخارجية الإيرانية، الدبلوماسي أسدي في مقر اعتقاله في بلجيكا.

وتشمل مهام رضا مراقبة عمل مراكز وزارة الداخلية والاستخبارات في السفارات الإيرانية، ورفع التقارير إلى وزير الداخلية محمود علوي، والخارجية جواد ظريف، ما يعني أنه زار الدبلوماسي المسجون من أجل تنسيق عمل شبكة الجواسيس في غيابه.

ويبدو أنه لا يوجد خيط فاصل بين وزارتي الاستخبارات والخارجية في إيران، حيث تعد الثانية غطاء جيدا للعملاء والأنشطة الاستخباراتية في الخارج، وفق ما طالعته "العين الإخبارية" في تقرير نشرته إذاعة دويتشه فيله" الألمانية.

ويوضح الدبلوماسي السابق حسين علي زاده الذي استقال من السفارة الإيرانية في فنلندا عام 2010، أنه "في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد، تسلل جناح استخبارات الحرس الثوري إلى وزارة الخارجية".

ووفق"دويتشه فيلا"، فإن هذا الاختراق كان تحركا تكتيكيا يمكّن الاستخبارات من متابعة أنشطتها الخاصة في الخارج بشكل أكثر أمنا.

ورغم هذا التخطيط المحكم، بدت قضية أسدي وكأنها لعبة هواة، حتى إن الدبلوماسي نفسه بدا غير محترف، ووثق عمله بدقة في دفتر ملاحظاته ثم ترك المعلومات في أيدي المحققين الألمان.

وهو ما انتقده حسين علي زاده بالقول "يجب على أفراد المخابرات السرية المدربين تدريباً جيداً العمل بشكل أكثر احترافا واستخدام الوسطاء، وتنفيذ عملياتهم دون ترك أي أثر"، وزاد "يبدو الأمر كما لو أن الأسدي كان يريد أن يتم القبض عليه".